الصادق بعد قضاء شهر العسل السياسي
منذ احتجاز الصادق المهدي، كنت أستشعر حجم الورطة السياسية التي أدخلت فيها الحكومة نفسها.. ولم تكن كل التصرفات التي تلت هذا الإجراء من الجهات الرسمية في نظري إلا محاولات متوترة للملمة الموضوع وإخراجه بشكل يليق بعد اكتشاف (الدقسة) السياسية التي وقعت فيها.. وكان الصادق في اعتقادي أسعد الناس بما حدث له، ولم يكن يقضي في محبسه هذه المرة فقط أجمل فترة احتجاز له في تاريخه السياسي، بل كان يقضي أجمل أيام عمره السياسي داخل سجن كوبر.
لقد وفرت له الإنقاذ أكبر شحنة دعم سياسي وجماهيري ضخمة جاءته من السماء (لا إيدو لا كراعو) وهو الذي كان حائراً مثل كل القوى المعارضة العازمة على خوض الانتخابات القادمة ومتوجسة من الفارق الكبير في الإعداد بينها وبين الحزب الحاكم وضيق فرصة الترتيب والعودة للساحة السياسية وللشارع الجماهيري أمام حزب المؤتمر الوطني الذي وفرت له سنوات الحكم فرصة كبيرة ليكمل تأسيس بيته الداخلي ومؤسساته التنظيمية بما يؤهلها للفوز باللقب في الانتخابات القادمة..
المؤتمر الوطني وبرغم أنه حزب كبير لكنه قدَّم في (ماتش الصادق والدعم السريع).. قدَّم أسوأ أداء سلبي واستسلامي له، مثل المنتخب الإسباني الذي استلقى على جانبه مستسلماً لأمر الذبح بخمسة أهداف بواسطة السيف الهولندي البتار في بواكير مونديال البرازيل..
صحيح أن ملف الصادق أخذ المنحى والصبغة القانونية منذ وهلته الأولى لكنه وللغرابة انتهى بلغة (تغليب المصلحة العامة).. وأين كان هذا البند (المرَّاقة) طوال هذا الشهر..؟!
هل كانت المصلحة العامة تحتاج لخطاب من (قيلوب) للتذكير بها؟.. وهل خطاب (قيلوب) تضمن اعتذاراً صريحاً.. أم توضيحا حول مصادر معلومات الإمام التي اعتمد عليها في اتهاماته وما وصفت بإهانته لقوات الدعم السريع..؟
نحن لا نسترجع الأحزان ولا نريد أن نقلل من حجم الإساءة للجيش أو القوات النظامية، لكننا نقول إن (قرصة أضان) كانت تكفي.. ساعة واحدة استيضاحية تغلق باب محاولات النيل من القوات النظامية برسم الخط الأحمر واضحاً أمام السياسيين، وهذا أمر دستوري وقانوني، لكن تناوله بأقل درجة من الحدة كان هو الأوجب للحفاظ على المصلحة العامة أو تغليبها طالما أن تغليبها يمكن أن يتم استخدامه لإنهاء القضية كما حدث..
يجب أن نقولها الآن حتى نتعلم من التجارب، إن ما حدث كان من الممكن أن يعصف نهائياً بالحوار الوطني وبالمصلحة العامة تلك، ونقول أيضاً إن سوء التقدير والتفكير تسببا في تحويل ملف الصادق المهدي إلى قضية رأي عام وقضية سياسية وإعلامية من الدرجة الأولى، أفقدت الحكومة في لحظة واحدة الكثير من نقاطها السياسية والجماهيرية المتراكمة، كما أنها أهدت الإمام الصادق المهدي أحلى هدية (فالانتاين) من الجماهير سلمها له منافسه بقلة ذكاء، وكان سيحتاج لوقت وجهد أكبر لتحقيق ما حقق..
[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي