وعن النيابة يتواصل الحكي
أخي / عبد اللطيف البوني
ولقد سعدت بحق لتطرقك لموضوع مهني مهم وهو اجراءات ما قبل المثول امام القاضي تناولته وكأنك من قبيلة القانونيين فلله درك.
ودون الدخول في تعقيدات قانونية نقول إن ذلك النظام كان يتلخص في الآتي:
1/ أن تتولى الشرطة التحريات في مرحلة ما قبل المحاكمة تحت الرقابة القضائية وقد تحققت كثير من النجاحات لأن التحريات كما قلنا سابقاً ونقول الآن أنها مهارات ومعارف اكتسبتها الشرطة بحكم المهنة فهي ليست عملاً قانونياً بحتاً يدرس في الجامعات فجمع المعلومات مثلاً متوفر للشرطة بحكم انتشارها وبحكم التصاقها وتفاعلها مع الجمهور وميدانية أدائها.
ثم إنك لا يمكن أن تفصل مهمة منع الجريمة الموكول أمرها للشرطة دون منازع لا يمكن أن تفصلها عن مهمة اكتشاف الجريمة (التحري)، وللشرطة أدواتها المعروفة من الدوريات والمراقبات وأعمال التسجيل الجنائي وقس على ذلك مهاما أخرى متوفرة للشرطة دون غيرها، لكل ذلك فإن النظام الذي كان سائداً حتى سبعينيات القرن الماضي والذي كان يتيح للشرطة التحري تحت الرقابة القضائية اللصيقة أثبت أنه الأفضل، فقد كان قاضي الجنايات (Police Magistrate) يتابع الدعوى الجنائية منذ تقديم العرائض وفتح البلاغات، فقد كان متاحاً لكل متضرر أن يتم قبول بلاغه بعد أداء اليمين واقتناع القاضي ضد كائناً من كان، ولا أعتقد أن ذلك متاح الآن بنفس الصورة، كما يشرف قاضي الجنايات على التحريات وكان قانون الإجراءات الجنائية يقيد فترة التحريات ويحدد موعد إبقاء المتهمين بحراسة الشرطة بل أنه يلزم أن ترفع أي حالات قبض للقاضي خلال أربع وعشرين ساعة.
وكان القضاة يهتمون جداً بحماية حقوق المتهمين كما أوردها القانون المستمد من فقه القانون العام الذي يحرص على ذلك إعمالاً بمبدأ (Habeas Corpus) (أحضر الشخص) ولا أقول أن ذلك غير متاح الآن ولكن كان ذلك إلتزاما قانونيا لجهة ليست جزءاً من الجهاز التنفيذي.
ولأن مرحلة ما قبل المحاكمة مرحلة مهمة فقد كانت مسئوليتها تقع بالكامل على الشرطة تحت الرقابة القضائية ولذلك كانت كل أقسام الشرطة تبذل قصارى جهدها وكان معظم الضباط يتولون التحري في تنافس شريف بينهم وكانت رئاسة الشرطة تصدر منشورات تحدد فيها وتلزم الضباط بالتحري حسب جسامة البلاغات، وقد تغير الأمر الآن إذ نأى الضباط عن ذلك لأنه لم يعد لهم أي مجال في التحري وأصبحت التحريات يجريها صف الضباط وأحياناً صغار الضباط..
وربما رأت بعض الجهات أن يظل أمر تحريك الدعاوي الجنائية بيدها إبتداءً حتى لا تؤخذ من حيث لا تحتسب وأذكر في هذا المجال ودون تضخيم للذات أنني شخصياً وفي قسم الخرطوم جنوب وفي سبعينيات القرن الماضي باشرنا إجراءات جنائية ضد شخصيات مهمة في الاتحاد الاشتراكي وقبضنا عليها أيام العهد المايوي ولأننا كنا نستند على إجراء قانوني صحيح ومساندة قضائية قوية فإن كل ما حدث لنا هو أن تم نقلنا إلى جهة أخرى وتلك قصة أخرى سنعود إليها لاحقاً.
نصل إلى هذا أن الأمر واضح ومن غير صالح صانعي القرار في الأنظمة الشمولية تطبيق النظام القديم الذي يضمن الرقابة القضائية على الدعوى الجنائية منذ بدايتها حتى النهاية ولذلك فإن صديقي البوني سيظل يصفر دون جدوى.
والله المستعان،،،،
فريق شرطة م /مستشار قانوني بالنائب العام م/ المحامي والاستاذ الجامعي / د. فضل أحمد محمد
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]