بيانات ووثائق

بيان د.غازى أمام الدورة (64) للجمعية العامة للأمم المتحدة


نص بيان الدكتور/ غازى صلاح الدين العتبانى مستشار رئيس الجمهورية رئيس وفد السودان أمام الدورة (64) للجمعية العامة للأمم المتحدة : بسم الله الرحمن الرحيم السيد الرئيس السادة أصحاب الفخامة رؤساء الدول والحكومات السادة الوزراء ورؤساء الوفود السيد الأمين العام للأمم المتحدة السادة أعضاء الوفود الموقرة سيداتى وسادتى يطيب لى استهلالاً أن أحييكم وأن أنقل إليكم تمنيات حكومة السودان وشعبه بنجاح مداولاتكم في هذه الدورة الرابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة بكل ما يحمل جدول أعمالها من موضوعات تعكس ما تواجهه الأسرة الدولية من تحديات، وما يتعين علينا تحديده من أولويات متمثلة فى تنمية شعوبنا ورفاهيتها وفق أهداف الألفية الإنمائية، ومعالجة الأزمات الإقتصادية والمالية، واحتواء آثار التغيرات المناخية، وصيانة الأمن والسلام الدوليين. يسعدنى كذلك أن أتقدم بالتهنئة الحارة لمعالى السيد على عبد السلام التريكى بمناسبة إنتخابه لرئاسة هذه الدورة الهامة من دورات الأمم المتحدة. إن إنتخابكم، سيدى الرئيس، تشريف لنا لما يربط بين بلدينا الشقيقين من الأواصر المشتركة والعلاقات المتميزة، وكلنا ثقة فى أن حنكتكم وخبرتكم السياسية والدبلوماسية سوف تحقق طموحاتنا فى قيام أمم متحدة قادرة وفاعلة وشفافة. ولايفوتنا الإعراب هنا عن تقديرنا للكفاءة العالية التى أدار بها سلفكم الأب ميقيل ديسكوتو فعاليات الدورة المنصرمة، كما نزجى التقدير للأمين العام للجهود التى تضطلع بها الأمانة العامة وفاءاً لدورها ومسئولياتها. السيد الرئيس ، يتطلع الملايين حول العالم لمداولاتنا هنا على خلفية الأزمات الخانقة التى شهدتها ولا تزال تشهد تبعاتها الأسرة الدولية، وخاصة الدول النامية، وذلك على نحو عصف بتطلعات الشعوب في التنمية والإستقرار في عالم كان يؤمل أن توفر له سوانح التقدم العلمي والتكنولوجي فرصاً أوفر للنهوض ولصياغة نظام دولي عادل ومنصف يزيل فقر الأمم ويحقق تطلعاتها من أجل حياة كريمة. وإذا كان عدم التقيد بمعايير سلوك تسترشد بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي والقواعد المستقرة فيه، واستشراء سياسة المعايير المزدوجة في الساحة الدولية قد جعل العالم أقل أماناً من ذي قبل فإن الأزمات الإقتصادية والمالية الراهنة والتي باعدت الشقة بين الدول المتقدمة والدول النامية قد ضاعف من تلك التحديات. فالعالم يمر بأسوأ وأخطر أزمة إقتصادية ومالية منذ كساد الثلاثينات الشهير اقترنت في ذات الوقت بمشكلات عديدة ومتشابكة كأزمة الغذاء وتغير المناخ بكل ما لتلك المشكلات من آثار مدمرة على البلدان النامية، وتهديد لأولوياتها الوطنية وما حققته من مكاسب صوب تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية

لقد ظل السودان بحكم رئاسته لمجموعة الـ77 والصين يولي إهتماماً خاصاً بمضاعفات هذه الأزمة والتي لم يكن منشؤها كما هو معلوم في البلدان النامية ، رغم أنها الأكثر تضرراً من تبعاتها، نسبة لأن تلك الأزمة قد أدت لإتساع دائرة الفقر والجوع ، وتصاعد معدلات البطالة، وتباطؤ مستويات النمو والإنكماش الإقتصادي، فضلا عن الآثار السالبة على الميزان التجاري وميزان المدفوعات. كما أدت الأزمة إلى تراجع أسعار السلع الأساسية وإلى تقلبات حادة في أسعار الصرف والتحول المفاجئ لمسار تدفقات رؤوس الأموال الخاصة والإستثمار الأجنبي المباشر، وإنخفاض التحويلات للبلدان النامية وتدني إيرادات السياحة. كما عاني القطاع الإجتماعي بشدة من تآكل شبكات الضمان الإجتماعي التي توفر خدمات الصحة والتعليم وغيرها، الأمر الذي أدي إلى زيادة وتيرة معدلات وفيات الرُضع والأُمهات. إن مجموعة الـ77 والصين تشعر بقلق عميق إزاء هذه الأزمة وآثارها على البلدان ذات الطبيعة الخاصة، وفي مقدمتها البلدان الأفريقية، والبلدان الأقل نمواً، والدول الجزرية الصغيرة، والبلدان الخارجة من النزاعات. بالإضافة إلى ذلك هناك التحديات التنموية التي تواجهها البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل. إن هذه التطورات تملي علينا واجباً أخلاقيا، وبخاصة على البلدان الصناعية، لتوجيه استجابتها الجماعية وإلتزامها القوي مع متطلبات الحلول بما في ذلك الحصول على التمويل وبناء القدرات ودعم التنمية المستدامة وحل مشكلة الديون وإزالة العقبات عن طريق التجارة والإستثمار وترجمة تعهداتها الدولية في مجال التنمية. إن الإصلاح الشامل للتظام الإقتصادي والمالي الدولي وضمان تعزيز دور البلدان النامية ومشاركتها في وضع الأسس والمعايير وفي عملية إتخاذ القرار بمؤسسات التمويل الدولية يُعد أمراً مركزياً وهاماً، ولا يمكن لمجموعة الدول الصناعية الكبري أن تكون بديلاً عن المشروعية العالمية التي هي مجموع دولنا هنا في الأمم المتحدة. ويتعين في هذا الشأن أن يضطلع فريق العمل مفتوح العضوية، الذي أناطت به الجمعية العامة مهمة متابعة مخرجات مؤتمر الأمم المتحدة رفيع المستوى حول الأزمة الإقتصادية والمالية العالمية وآثارها على التنمية والذي عقد بنيويورك في يونيو الماضي 2009م ، بعمله ومهامه على وجه السرعة. إننا نود بذات القدر أن تكلل جهود التعامل مع التغيرات المناخية بالنجاح خلال مؤتمر كوبنهاجن في ديسمبر القادم. إن الدول النامية والتي لم يكن أمر تغير المناخ والإحتباس الحراري من صنيعها تهيب بالدول المتقدمة، تأسيساً على مسؤولياتها التاريخية، معالجة الجذور المسببة لتغير المناخ وتوفير الموارد المالية الجديدة والإضافية والتي يمكن التنبؤ بها، وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا وتوطينها وتنميتها، وتنفيذ الإلتزامات والتعهدات ذات الصلة وصولاً لنمو إقتصادي مستدام يلبي الأولويات والإحتياجات المشروعة للدول النامية، ولن تدخر بلادي وسعاً ومن منطلق رئاستها لمجموعة الـ77 والصين في السعي للمطالبة بتأمين هذه المطلوبات

إذا كان غياب الشفافية وتهميش دور الدول النامية في صياغة وتنفيذ السياسات الإقتصادية والمالية على المستوى الدولي، وإتباع أنماط إنتاج وإستهلاك غير مستدامة، ووجود مؤسسات تمويل دولية عفا عليها الزمن بحوكمة عقيمة وغير رشيدة، قد ساهم في صنع وتفاقم الأزمة الإقتصادية والمالية، فإن غياب الديمقراطية في العلاقات الدولية، التي يمثل أحد أضلاعها الشكل والمضمون الحالي لمجلس الأمن ومناهج عمله، قد أصبح عاملاً رئيسياً في الحد من قدرة الأمم المتحدة على الإستجابة للمتغيرات والمعطيات الهيكلية والموضوعية الجديدة في بنية النظام الدولي، وأدى إلى استشراء الإنتقائية وإزدواج المعايير. وقد ضاعف من تلك الأزمات إعمال العقوبات الآحادية المعوقة لحرية التجارة والإستثمار والمنتهكة لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي ، وإستغلال منبر الأمم المتحدة لخدمة مآرب ضيقة، حتى أصبح مفهوم حقوق الإنسان أداة للتسييس المستمر وتصفية الحسابات. وبذات القدر أدى الاستخدام الخاطئ أحيانا لمفهوم الإرهاب إلى المساواة بين الجلاد والضحية على النحو الذي تجسده اليوم محنة الشعب الفلسطيني وهو ما يزال يرزح تحت الإحتلال. ولقد أدي ذلك إلى بقاء القضية الفلسطينية دون حل مما أحدث ضررا بالغاً بسمعة الأمم المتحدة ومصداقيها. يتضح من كل ذلك أنه إن كان للأمم المتحدة أن تكون فاعلة وخادمة لعالم متغير فلابد أن تحدث تغييراً شاملاً في أدواتها ومناهجها حتى تكون حقا صوتاً معبراً عن جميع الأمم. لابد للأمم المتحدة والتي كان قيامها تجسيداً للتنوع أن تكون مبشرة بالحوار بين الثقافات والحضارات، وإحترام الخيارات السياسية والإجتماعية للشعوب، وحل المنازعات بالطرق السلمية، وإخلاء العالم من الأسلحة النووية. وتأسيساً على ذلك فإن بلادي تتبنى، كغيرها من الدول النامية، الدعوة إلى تفعيل دور منظمة الأمم المتحدة، وإصلاح مجلس الأمن مستلهمة الموقف الافريقي المعلوم في هذا الشأن. ولا بد في هذا الصدد من أن يترجم ما حض عليه الميثاق من تكامل وثيق بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية وخاصة الإتحاد الأفريقي، وتحقيق شراكة تبنى على تحقيق ما رسمته قمة الألفية من أولوية لتنمية القارة الأفريقية وتعزيز أسباب الإستقرار فيها

السيد الرئيس لئن ظل التعاضد والشراكة الدولية الفاعلة من أجل السلام والتنمية مبتغي نبيلاً لدولنا وشعوبنا فإن هذه الدورة تمثل أهمية خاصة لبلادي في هذه المرحلة التي جعلنا فيها من السلام هدفاً إستراتيجياً لأمة ظلت على مدى التاريخ نموذجاً لقوة التنوع بحيوية نسيجها الإجتماعي وثراء مكوناته. وقد تأتي بفضل عزيمة شعبنا وإرادته القوية وسعيه لإستغلال موارده وضع حد لما وصف بأطول حروب القارة الأفريقية بتوقيع إتفاقية السلام الشامل التي توخت إرساء نظام يعتمد المواطنة أساساً للحقوق والواجبات ويحتفل بالتنوع كمصدر للوحدة والتآخي مؤسساً على سيادة القانون والحكم الرشيد وإحترام الحريات وحقوق الإنسان والمشاركة العادلة في السلطة، كما أرست الإتفاقية قواعد قسمة الثروة وفق معايير الإنصاف والمساواة. وقد مضي تطبيق الإتفاقية قدماً بإكتمال تشكيل الآليات والمؤسسات ذات الصلة مع إلتزام كامل من شريكي الإتفاقية بالتوافق على المعالجات السلمية للإستحقاقات على النحو الذي مثلته تجربة معالجة مسألة أبيي، وتعهدهما بتنفيذ ما تبقي من مطلوبات لسلام يصون وحدة البلاد والتي هي ضرورة حيوية قصوي لشعب السودان ولأفريقيا والعالم أجمع. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن إحجام المانحين عن الوفاء بالموارد والتعهدات التنموية التي إلتزموا بها لدعم إتفاقية السلام الشامل قد انعكس سلباً على تطبيق الاتفاقية، خاصة في مجالات التنمية وإعادة التأهيل وإدماج المقاتلين السابقين في المجتمع. لذلك فإننا نهيب بالوفاء بكل التزامات تعزيز السلام والإستقرار وبناء ما خربته سنوات الحرب وحتى يكون للسلام معنى ومغزي. إننا نقف الآن بمقتضى اتفاقية السلام على مشارف إجراء إنتخابات تشريعية وتنفيذية عامة في أبريل القادم 2010م بعد اكتمال إجراء إحصاء سكاني شهدت بدقته ومصداقيته مؤسسات دولية وإقليمية عديدة. إننا نؤكد عزمنا وتصميمنا على إقامة الانتخابات في موعدها المحدد التزاماً باتفاقية السلام الشامل وتعزيزاً لجهود الإصلاح السياسي التي لا غنى عنها لتأسيس السلام على بنية قوية. وإننا ندعو الأسرة الدولية لدعم قيام الانتخابات قولا وعملاً. ولكن برغم كل التطورات الإيجابية في مسيرة السلام فإننا نلاحظ بقلق عميق النزاعات القبلية المسلحة في جنوب السودان والتي تهدد، ليس فقط استقرار السودان والجنوب، بل استقرار المنطقة بكاملها. وإننا نذكر هنا بأن مسئولية حفظ الأمن في جنوب السودان بحسب اتفاقية السلام الشامل هي من اختصاص حكومة الجنوب، لذلك فإن الواجب يقتضي منا جميعاً حث حكومة جنوب السودان وتشجيعها من أجل القيام بواجباتها نحو أمن مواطنيها ورفاهيتهم. السيد الرئيس ، لقد أدرك شعبنا أن السلام لن يكتمل ما لم يستظل به أهلنا بدارفور ، فجاء توقيع إتفاقية سلام دارفور بأبوجا برعاية كريمة من الإتحاد الأفريقي مؤكداً للنية الجادة لدى حكومة بلادنا من أجل حل مشكلة دارفور حلاً سلمياً. لكننا في الوقت الذي نسعى جادين لتنفيذ تلك الإتفاقية، وبدلاً عن وفاء بعض الأطراف الدولية بتعهداتها وإلتزاماتها نحو التطبيق الصارم للاتفاقية شهدنا تحولاً وضغوطاً غير مبررة برسائل سالبة للعناصر غير الموقعة على الإتفاقية. وعوضاً عن توجيه الضغط على العناصر التي نأت عن خيار السلام أصبحت الضغوط توجه نحو الأطراف الموقعة على إتفاقية أبوجاً نفسها الشيء الذي أدى إلى تعويق جهود السلام وإطالة أمد النزاع

لكن بفضل تعلقنا، حكومة وشعباً ، بخيار السلام وسعينا الذي لا يلين لبلوغ ذلك فإن دارفور تشهد حالياً تطورات إيجابية وبعيدة المدي بفضل إلتزام حكومة الوحدة الوطنية الكامل بالسلام في دارفور، وتعاونها الوثيق مع اليوناميد عبر الآلية الثلاثية. وقد أدت تلك السياسة إلى تحسن الوضع الإنساني في دارفور الشيء الذي شهدت به التقارير الموثقة للأمم المتحدة. ولقد عزز من ذلك التزامنا الصارم بالاتفاقية الإنسانية الموقعة مع المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان في أبريل المنصرم. وإننا نجدد التزامنا بالتعاون الوثيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الوطنية والدولية من أجل دعم هذه السياسة وتطويرها بما يمنع أي كارثة إنسانية أو حتى فجوات غذائية في المستقبل. في هذا الصدد لابد من الإشارة إلى ما تشهده ولايات دارفور من عودة للنازحين لقراهم مما يوجب علينا، حكومة وشعباً وأسرة دولية، اهتبال هذه السانحة لتعزيز هذا الاتجاه. إننا نجدد التزامنا واستعدادنا في أي وقت للعمل دون إبطاء لضمان نجاح المفاوضات المرتقبة بالدوحة في إطار المبادرة العربية الأفريقية وجهود الوسيط المشترك حسبما أقرته لجنة المبادرة في إجتماعها الذي عقدته على هامش إجتماعات هذه الدورة. وإننا إذ نرحب بما أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن حرص بلاده للمساعدة في إيجاد الحل لمسألة دارفور، وإذ نلحظ التغيير الموجب في تعبيرات الرئيس الأمريكي نحو الدول النامية بصفة عامة فإننا نأمل أن يأتي هذا الجهد خالصاً، وأن تترجم أقواله إلى أفعال من أجل تصحيح المواقف الخاطئة للإدارات االأمريكية السابقة التي أضرت بالعلاقات الثنائية وفاقمت من مشكلات المنطقة. ولا شك أن هذا يتطلب أول ما يتطلب رفع العقوبات الآحادية وإزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للإرهاب

إننا نجدد الدعوة لحاملي السلاح لإستجماع إرادة الحل والإنخراط في العملية السلمية ، فأبناء السودان هم الأقدر على حل مشاكلهم ولا يمكن لأي جهد آخر أن يكون بديلاً عن ذلك ، وليس هنالك من هو أحرص على حقن الدماء وتحقيق السلام من السودانيين أنفسهم. كما نرجو أن نجدد من هنا مطالبتنا لبعض الدول التي تستضيف بعض هؤلاء لإثبات مصداقيتها من خلال تأمين مشاركتهم البناءة والجادة في مفاوضات الدوحة المقبلة. وإذا كانت بلادي قد أعلنت مراراً في السابق إلتزامها بوقف لإطلاق النار من طرف واحد كبادرة لبناء الثقة وإنجاح المفاوضات فإننا نرجو أن تتجاوب الفصائل المسلحة الأخرى وصولاً لوقف دائم ومراقب لإطلاق النار، وعلى المجتمع الدولي الذي إلتزم في السابق بإتخاذ إجراءات صارمة تجاه من يرفض المشاركة في مباحثات السلام أو يعيقها أن يقوم بذلك فعلاً لا قولاً ، كما يتعين إيلاء إهتمام خاص بمسألة التنمية والإنعاش وإعادة التأهيل والبناء كأحد مطلوبات القرار (1769) المُنشئ للبعثة المشتركة ، والإنتقال من المساعدات الإنسانية الطارئة إلى دعم التنمية لتسهيل عودة وإستقرار النازحين واللاجئين إلى قراهم ومزارعهم ، ويتعين لإستدامة السلام وثباته دعم جهود ومساهمات المجتمع الدارفوري ومنظماته المدنية

إننى أرجو من على هذا المنبر أؤكد حرص بلادي على علاقات بناءة مع كل جيرانه وعلى الاستعداد الكامل للتعاون معهم من أجل إطفاء بؤر النزاع الإقليمية كافة. وأخص في هذا الصدد استعدادنا ورغبتنا في إصلاح العلاقة مع الشقيقة تشاد على هدى كافة العهود والمواثيق الموقعة معهم، وإستلهاماً لوصل تاريخي ما إنقطع بين شعبي البلدين تعزيزاً وحفظاً لمصالحها المشتركة في الأمن والإستقرار والتنمية، وندعوهم لأن يتسلحوا بذات الاستعداد. السيد الرئيس ، ما كان لمشكلة دارفور أن تستعصي على الحل خاصة وأن أسبابها معلومة ومؤكدة في ضمور الموارد وتداعيات التدهور البيئي والتغير المناخي على النحو الذي أبانته منابر ووكالات عدة معنية بالبيئة ، وهي كغيرها من جذور النزاعات تعالج بالتنمية وإزاحة الفقر وليس بالتكسب من إطالة أمد النزاع والإدعاءات الباطلة ، وما كان لهذه المشكلة أن تستعصي على الحل تأسيساً على قدرة أهل السودان على حل مشاكلهم على نسق ما تحقق بإنجاز إتفاقية السلام الشامل وإتفاقية سلام شرق السودان لولا ما عانته البلاد من حملة جائرة وظالمة هدفت لإستغلال أزمة دارفور لخدمة مطامعها وأجندتها الخاصة بإتباع سياسات التهويل وطمس الحقائق والتجني على إرث شعبنا وقيمه وتقاليده ، بل أصبح ذلك الإستهداف نمطاً متواتراً ، ففي الوقت الذي قطعت فيه حكومة الوحدة الوطنية شوطاً بعيداً بإتجاه تطبيق إتفاقية السلام الشامل التي يُعد السيد رئيس الجمهورية أكبر ضامنيها، وفي الوقت الذي يقف فيه السودان على مشارف مرحلة جديدة بإتجاه تحقيق الإصلاح السياسي والتداول السلمي للسلطة ووضع حد للنزاعات والإحتراب وتحقيق تنمية شاملة لشعبنا الغني بالموارد وبإرادة السلام عند بنيه جاء الإستهداف هذه المرة تحت دعاوي عدالة مزعومة بإستغلال المحكمة الجنائية الدولية في تحرك مشبوه وإنتقائية فاضحة مستهدفاً قيادة البلاد ورمز سيادتها في مسعي خاسر لتعويق مسيرة السلام والإستقرار في السودان وإطالة معاناة أهله ، وهو التحرك الذي أدانته كافة القوي المحبة للسلام في العالم ورفضته كافة المنظمات الإقليمية والدولية التي جاء ردها حاسماً ورادعاً ومتناغماً مع مواقف شعبنا المجبول دوماً على التعايش السلمي والمصالحة والتسامح. إن تحقيق الأمن والإستقرار في دارفور يستوجب التصحيح العاجل لهذه الأوضاع وإعادة الإلتزام بالعملية السلمية ، وإبطال هذا المكر السيئ وتبعاته السالبة على سلام السودان والقارة الأفريقية جمعاء

السيد الرئيس ، ما بين توقيع ميثاق الأمم المتحدة منتصف القرن الماضي ، وما يشهده العالم حالياً من تطورات وتحديات مصيرية مرت مياهٌ كثيرة تحت جسر العلاقات الدولية مما يجعل لهذه الدورات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة سانحة جادة للتبصر وإستخلاص الدورس والعبر، فلنجدد العزم على تعزيز العمل المتعدد الأطراف الذي تمثله هذه المنظمة الدولية ، ولتكن دورتنا الرابعة والستين هذه نقطة إنطلاق أخرى لتحقيق تطلعاتنا المشتركة في عالم تسوده قيم الأخاء والمصير المشترك

وشكراً جزيلاً سيدي الرئيس
المصدر :سونا