تحقيقات وتقارير

هل شارك حزب المؤتمر الوطني في مؤتمر جوبا..؟!

بعيدا عن الصخب الإعلامي الذي أثاره حزب المؤتمر الوطني الحاكم بمناسبة انعقاد مؤتمر جوبا الذي تنظمه الحركة الشعبية ويشارك فيه عدد كبير من الأحزاب السياسية معظمها معارضة للمؤتمر الوطني، فإن الحزب الحاكم يأبى أن يفارق مناوئيه حتى بعد أن ذهبوا عنه مسافة بعيدة إلى حاضرة الجنوب «جوبا» لعقد ملتقى كانت من أبرز عناوينه «غياب المؤتمر الوطني» وتداعياته، حيث سيطرت هذه العناوين حتى على وسائل الاعلام التي لا تصل يد المؤتمر الوطني اليها، فضلا عن خطابات زعماء الاحزاب الرئيسية والنائب الاول رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت، التي لم تستطع جميعها تخطي المؤتمر الوطني في رؤاها لمعالجة المشكل السياسي الوطني، بل أن بعض الاحزاب دعت الى تشكيل آلية بعد نهاية المؤتمر للاتصال بالحزب الحاكم لتفادي اقصائه وردة الفعل.
وكل ذلك دفع مراقبين للتراجع عن تنبؤات صاحبة زخم ترتيبات المؤتمر تتصل بمقررات حاسمة للمؤتمرين، تؤسس على إزاحة حزب المؤتمر الوطني عن السلطة أو على الأقل قبول مشاركته في تشكيل حكومة قومية انتقالية لا تقوم على محاصصة إتفاق نيفاشا، وتعالج المشكلات العالقة وفق إجماع وطني واسع، وترتب لعقد انتخابات متفق حول إجراءاتها، فيما طمع بعض المعارضين المشاركين في عقد تحالف انتخابي هدفه إقصاء المؤتمر الوطني عبر صناديق الاقتراع، رغم ذلك فإن لغياب المؤتمر الوطني فوائد عديدة يراها المراقبون، إذ سيتاح للمؤتمر الخروج بتوصيات تشمل معالجات متأنية ومدروسة للقضايا المطروحة دون تدخل حزب استمرأ زعم امتلاكه الحلول النهائية للقضايا المصيرية، والأهم من كل ذلك فإن المؤتمر خطوة لإعادة بناء الثقة بين الشمال والجنوب التي اهتزت بعنف على خلفية مراوغات عدم تنفيذ اتفاق السلام الشامل ومعاهدات السلام الأخرى.
كما أن هناك تنبيهات عديدة كشفها معدو لقاء جوبا كانت تشير الى أن المؤتمر الوطني لن يشارك، اذ أن طلب التأجيل الذي تقدم به لم يكن غير موقف «تكتيكي» من أجل تهيئة الأجواء لمفاوضات مع الحركة الشعبية حول قانون الاستفتاء دون أن يتعرض لضغوط قد تتسبب فيها اعمال المؤتمر الذي يبحث ضمن موضوعاته قضايا مماثلة لتلك التي تفاوض حولها الشريكان.
ويعتقد مراقبون أن فشل الشريكين في التوصل إلى تفاهمات للمشكلات العالقة بينهما برعاية دولية، تمثلت في مبعوث رئيس الولايات المتحدة الامريكية، تسببت في أن ينال مؤتمر جوبا بعض الدعم الدولي الذي لم يكن متوقعا بعد أن تدخل المبعوث الأمريكي سكوت غرايشن بنفسه- حسب مصادر مطلعة على الجهود التي تقوم بها واشنطن لتقريب وجهات النظر بين الشريكين- إذ صرح باقان أموم الامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان، بأنه ستكون هناك توصيات للمجتمع الدولي وجيران السودان صادرة عن مؤتمر جوبا، ولمح أموم في اتصال مع «بي. بي. سي»، إلى إمكانية حشد الدعم الدولي «لقضية الشعب السوداني في بناء السلام وتحقيق الديمقراطية».
ويناقش المؤتمر خمسة محاور رئيسية يتم تداولها في المؤتمر الذي يستمر حتى يوم الثلاثاء القادم وهي السلام، التحول الديمقراطي، الأزمة الاقتصادية، المصالحة والتعافي الاجتماعي، والعلاقات الخارجية مع الاقليم والمجتمع الدولي.
ولاحظ مراقبون أن غياب حزب المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي عن الملتقى، شكل ضغوطا سلبية على المشاركين في الملتقى، حيث لم تطرح قضية الوحدة الجاذبة باعتبارها موقفا حاسما من الاحزاب السياسية التي أعلنت في اكثر من مناسبة دعمها لخيار الوحدة، واستكانت الأحزاب لإصرار الحركة الشعبية على أن تظل الورقة المعنية تبحث كيفية إجراء عملية الاستفتاء لحق تقرير المصير بالشروط التي تطالب الحركة بتضمينها في قانون الاستفتاء المختلف عليه بين الشريكين.
ومن تداعيات غياب المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الديمقراطي، أن الخطوة تستدعي مخاوف أن تفهم المقاطعة على أساس عرقي يعزز من تيار الانفصاليين في الجنوب أكثر مما يضعفها، حيث يرى مراقبون أن اتهام تحالف الحزبين في عدم المشاركة في المؤتمر بأنه يعطي انطباعا بأنه تحالف «شماليين»، ومعروف أن غالبية منتسبي الحزبين من الشمال الموازي لجنوب البلاد، لكن ذلك تنفيه بالطبع مشاركة احزاب ذات غالبية شمالية.
ويعتبر خطاب الفريق سلفا كير ميارديت أمام الملتقى، مؤشرا على تأثر الحركة الشعبية بغياب شريكها، فقد حاول سلفا تطمين الشريك على أن حركته لا تسعى عبر مؤتمر جوبا للتخلي عن الاتفاقية. وذكر أن إتفاق نيفاشا حجر الزاوية لجعل الوحدة جاذبة، ووصف الاتفاقية بالدواء الناجع لحل كافة مشكلات البلاد، لكنه أيضا أضاف أن الشريكين ليس هما من يحدد مستقبل البلاد، داعيا الاحزاب إلى عدم السماح للشريكين بالانفراد بتلك المهمة، لكنه كان قد حدد أصلا الاطار الذي يجب ان تعمل من تحته الاحزاب السياسية وهو «اتفاق السلام الشامل».
ويستبعد أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الرحمن خريس الذي تحدث لـ «الصحافة» أمس، صدور توصيات عن المؤتمر تناقض اتفاق السلام، ورأى أن الحركة أعلنت التزامها بالاتفاقية، وبالتالي فإن أية توصيات تضاف الى الاتفاقية تعتبر خرقا لن يدعمه حزب المؤتمر الوطني ولن يساهم فيه المجتمع الدولي الضامن للاتفاقية، ورأى أنه في حال صدور قرارات عن الملتقى خارج اتفاقية الشريكين، فإن هذه الخطوة ستدفع بالاوضاع في البلاد الى «بلبلة سياسية»، وتعقيدات ناتجة عن رفض حزب المؤتمر الوطني تنفيذها.
وكانت أهم الاشارات التي أظهرت الدور الذي لعبه غياب حزب المؤتمر الوطني الحاكم في مؤتمر جوبا، هي اعتذار الحركة الشعبية للحركات المسلحة في دارفور عن دعوتها للمشاركة بسبب عدم قبولها لشرعية الحكومة، وهو موقف يتناقض مع هدف المؤتمر الذي يحاول إيجاد حلول لأزمة دارفور، بمشاركة كافة الاطراف، في حين أن الحركات المسلحة بالاقليم طرف أصيل في الحل.
بيد أن صحافيين يقومون بالتغطية في جوبا أبلغوا «الصحافة» بالهاتف، أن غياب المؤتمر الوطني عن الملتقى حظي باهتمام واسع من المراقبين المحليين والدوليين، وأنه حظي بنقاشات يعتقد أنها لم تك ستجرى في حال شارك المؤتمر الوطني، خاصة على صعيد موضوع لجان المصالحة والتعافي الاجتماعي، وأن المؤتمر اتاح فرصة أيضا للقوى السياسية للعودة من جديد بقوة للساحة السياسية لمزاحمة حزب المؤتمر الوطني الذي انفرد بها لسنوات طويلة دون منافسة قوية، كما أنها فرصة للأحزاب لإظهار دورها في معالجة هموم الناخبين قبل الاستحقاق الانتخابي المقرر في أبريل من العام المقبل، وتفتح الباب من جديد للمشاركة السياسية الواسعة.
ومن جهته رأى المراقب والكاتب السياسي المعز محمد احمد سعد في حديث لـ «الصحافة» أن مؤتمر جوبا دون حزب المؤتمر الوطني، يتيح فرصة تاريخية لحل «سوداني- سوداني» للقضايا التي تهدد كيان البلاد. وقال إن كثيراً من الأحزاب السياسية عبرت في أطروحاتها ورؤاها لحل المشكلة التي تعتور البلاد، عن الحاجة إلى لقاء جامع لكل القوى السياسية السودانية من احزاب وهيئات ومنظمات مجتمع مدني وافراد، للتباحث حول الكيفية التي يمكن بها اخراج السودان من النفق المظلم الذي دخل فيه جراء سياسات حكومة الانقاذ، وللعمل على نقل حل الاشكالية من الخارج إلى الداخل، خاصة أن كل المحاولات لحل المشكلة بالاستعانة بالخارج لم تؤتِ ثمارا ناضجة، وقد التقت أفكار هذه القوى واتفقت حول جدوى انعقاد هذا اللقاء مع اختلاف المسميات التي اطلقت عليه، مشيرا الى أن هذه القوى وقد اجتهدت في سبيل انزال هذه الرؤى إلى ارض الواقع، فعلمت على مدار العامين المنصرمين تشاورا وتباحثا، حتى توجت تلك الجهود بإعلان الحركة الشعبية لتحرير السودان عن استعدادها لاستضافة مؤتمر أو ملتقى بجوبا لكل اطياف اللون السياسي، فكانت ضربة معلم كون الحركة قد عبرت في اطروحاتها ورؤاها عن قوميتها التي تعني أنها موجودة بل متجذرة في كل انحاء الوطن لا الجنوب فحسب، فكان أن أبانت ذلك عمليا في تصديها للمشاركة في حل مشكلة البلاد- الشمال- على الرغم من المكاسب التي تحققت لها في اتفاقية السلام الشامل التي كان يمكنها الاكتفاء بها دون الدخول في اشكاليات ومطاولات مع شريكها في الحكم المؤتمر الوطني الذي يريد أن ينفرد بحكم الشمال.
ورأى أن الحركة ارتأت العمل مع كل القوى السياسية السودانية من اجل الاستفادة من المكاسب التي تحققت للسودان من اتفاق السلام الشامل مثل التحول الديمقراطي واقرار الحريات الأساسية والاتفاق على نظام الحكم وتداوله سلميا وحل مشكلة دارفور، الى آخر تلك المكتسبات باعتبارها جزءا لا يتجزأ من السودان الكبير.
وأوضح المراقب السياسي المعز سعد، أن موقف المؤتمر الوطني من مؤتمر جوبا، ساهم في إظهار الحركة بأنها الآن باتت تلعب دورا أساسيا في صنع القرار بالبلاد وإدارة دفة الحكم فيه، ورأى أن الأحزاب نجحت في انجاح عقد الملتقى، وتفويت الفرصة على المؤتمر الوطني.
خالد سعد :الصحافة