مكي المغربي

ونواصل الجدل عن الاقتصاد.

[JUSTIFY]
ونواصل الجدل عن الاقتصاد.

بدأنا النقاش الاقتصادي أمس بما يشكك في جدوى سياسة التحرير الاقتصادي وربما يكون هذا خلاف موقفي الثابت والمؤيد لهذه السياسة.
في حقيقة الأمر؛ عندما تشرع أي دولة ذات ظروف خاصة مثل السودان في تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي لا بد تتجرعها عبر “صدمات” مخففة لأنها لو تجرعتها بصدمة واحدة وقوية ربما ينهار اقتصادها فجأة. نعم هنالك نظرية كاملة اسمها نظرية الصدمة وهنالك عدد من خبراء ومتخصصي الاقتصاد من يرجحها ويقول إن الاقتصاد لا يتغير إلا إذا حدثت له هزة قوية تعصف بالمفاهيم والعقائد القديمة لصالح الجديدة ولكن ربما تكون هذه النظرية صالحة في دول قد تأسست بنيتها التحتية جيدا ولا تعاني من حصار أو حرب أهلية أو خارجية.
في الحالة السودانية كان الحل هو “الجرعات” ولكن للأسف تم تطبيق هذا المنهج في أسوأ فترة سياسية للإنقاذ وهي فترة الإزدواجية لأن “الجرعات” كانت تحتاج إلى جسم تنفيذي مركزي قابض ومتماسك يصرف الدواء ويحدد جرعاته ويتحكم في “الاستثناءات” ويتخذ القرارات ولا يقوم بهذه المهمة أي جسم مواز له أو مسيطر عليه بالباطن.
عندما تشرع الدولة في الخصخصة وفي فتح الفرص الجديدة يجب أن تحسب خطواتها جيدا. وقد حدث هذا في إثيوبيا مثلا وغاب في السودان ولذلك تجرعت إثيوبيا مقدارا أقل من سياسة التحرير الاقتصادي وأدى إلى أثر أفضل.
يضع المحللون والخبراء قضايا الحصار والمواجهة العسكرية وإيقاف المعونات في مقدمة الأسباب التي أدت إلى تشوهات في تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي في السودان ولكنني أضع “الازدواجية” رقم واحد، ثم العقوبات رقم اثنين، ثم الحرب رقم ثلاثة.
الحرب كانت مريرة ومدمرة واستنزفت الاقتصاد الوطني ولكن “الازدواجية” كانت خللا في الرأس وفي مركز صناعة القرار. وربما تذكرون أوائل معارك القصر والمنشية كانت متى وأين. لم تكن مذكرة العشرة. كانت معركة الإعفاءات التي وقف فيها الشيخ والبرلمان ضد الحكومة ووزارة المالية. كانت الإعفاءات تدر دخلا على الشق الإسلامي المدني الأقرب للشيخ وهم أصحاب المنظمات واللوبيات المحيطة بها.
الإعفاءات كانت تمنح المنظمة استثناء من الجمارك فتستوردها بنصف سعر التاجر وتبيعها بثلاثة أرباع. وهذا يعني أن التاجر لو استورد من “منظمة إسلامية” في الخرطوم أفضل له من الاستيراد من الصين وبعض التجار الحاذقين اختاروا أن يكونوا موزعين للمنظمات ومزقوا رخصهم التجارية تماما.
هذا مجرد مثال في قطاع واحد وظاهر للعيان ولكن أمثلة كثيرة في قطاعات أخرى تؤكد أن الدولة دولتان. والحكومة حكومتان. ولذلك انتهت محاولات الإصلاح بالانشقاق.
هذا يعني أن كل ما تم تنفيذه من سياسات قبل الانشقاق كان معلولا بذات الداء. وأن سياسة التحرير الاقتصادي طبقت من الأساس بكثير من التشوهات.
[/JUSTIFY]

نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني