عبد الجليل سليمان

سكاكين وسفروكات حكومة القضارف

[JUSTIFY]
سكاكين وسفروكات حكومة القضارف

المُدير التنفيذي (Executive director) وظيفة إدارية حكومية هو المدير الأعلى أو التنفيذي للمنظمة، للشركة أو المؤسسة، ويقوم بالتخطيط والتنظيم والتنسيق والمراقبة لكل ما يتعلق بالإدارة، يشارك في تحديد سياستها ويشرف ويدير كل ما له علاقة بالعمل، ويراجع كل التقارير التي ترد إلى قسم الإدارة ويشرف على عملية تحليلها، ويخضع كل المشاكل التي تبرز إلى دراسات مستفيضة وعميقة ويقوم بوضع الحلول لها، بجانب مباشرته الإشراف الفني والإداري على الموظفين والعمل على رفع كفاءتهم.
وهذه الوظيفة ظلت وإلى وقتٍ قريبْ عندما كانت الخدمة المدنية، خدمة بالفعل، وقبل أن يتم تسييسها عبر (التمكين)، خاضعة لمعايير ترقية صارمة ولعلميات (فلترة وغربلة) دقيقة يتعرض لها أكفأ الضباط الإدرايين وأكثرهم خبرة حتى تتاح له فرصة تنسم هذا المنصب الحكومي الرفيع.
ولكن، وبعد أن تعرضت الخدمة العامة (المدنية) إلى تلك العاصفة الهوجاء من التسييس والتمكين، وأصبح هذا المنصب الرفيع نهباً لكل من هبّ ودبّ، يُسكّن فيها أهل الولاء فأصحاب الحلاقيم الكبيرة من الهتيفة والصرِّيخة وتقصى الكفاءات والخبرات التي تعمل بهدوء وذكاء وعقل متقد وضمير حي وصدر (إداري) واسع، ويد نظيفة.
لذلك كله، فإنني لن استغرب ولن أرفع حاجبيّ وأخفضهما ولن تتسع عيناي وينفتح فمي، ولن أصعق أبداً، وأنا أقرأ الخبر الذي أوردته جل يوميات الخرطوم أمس حتى أن بعضها رفعه عالياً خفّاقاً كـ (مين شيت) رئيس.
يقول الخبر، إن المدير التنفيذي لمحلية القلابات الشرقية بولاية القضارف طعن موظف بجهاز رقابة العربات الحكومية بمدية ما تسبب له بالأذى الجسيم، فتم نقله إلى مستشفى بلدة دوكة لتلقي العلاج، بينما دوَّن في مواجهة المعتدي (المدير التنفيذي) بلاغاً بالرقم (680) بقسم شرطة دوكة.
وكشف الخبر أن مشادة كلامية سرعان ما تحولت إلى مشاجرة دارت بين المدير التنفيذي وموظفين بجهاز الرقابة على عربات الحكومة، إثر تقرير أشار فيه أحدهم إلى استغلال (التنفيذي) لعربة الحكومة في أعماله الخاصة وسفره المتكرر بها وأن استهلاكه الشخصي للوقود يضاهي استهلاك المحلية كلها.
ويبدو أن هذا التقرير كان هو (السكين التي) اخترقت جسد الموظف الذي نتمنى له عاجل الشفاء وأن يجعل الله (طعنات التنفيذي) في ميزان حسناته ويضاعفها له (الحسنات طبعاً وليس الطعنات).
شخصياً لا أعرف (الطاعن والمطعون)، لكنني بقدر ما حزنت لما حدث للموظف المسكين، حزنت بقدر أقل بالطبع لحال المدير التنفيذي ورثيت لما آلت إليه الخدمة المدنية حتى أن كبار تنفييذيها يدسون المدى تحت أكمام (جلاليبهم)، أو يخبئونها بين الحزام والخاصرة.
ليس أمراً مؤلماً وحسب، بل مقززاً ومثيراً للرثاء ومُدراً للدمع أن يستخدم إداري رفيع (سكيناً) للاحتجاج على تقرير صادر عن موظف صغير، لكن الأكثر قرفاً هو أنني (وكثيرين أمثالي) لم أحسب نفسي أحيا إلى زمن ينحدر فيه منصب المدير التنفيذي حتى يماثل غمار الناس في كل شيء. فالمدير التنفيذي قبل أن يتغول عليه أهل الولاء والتمكين كان منصباً يجعل مسكن صاحبه مختلفاً ومركوبه مختلفاً وطعامه مختلفاً وسلاحه أيضاً مختلفاً كأن يتسلح بمسدس أو خرطوش، أما السكاكين والسفروكات والعصي والسيطان والبساطين والنبل، فتلك أسلحة لها رهطها وطبقاتها.
من يتسلح بسكين، غير مؤهل لينصب مديراً تنفيذياً على الإطلاق، لأن نسق تفكيره في التسلح ليس متسقاً مع عقلية الضباط الإدرايين المؤهلين، ومن يحسم خلافته بالسلاح والقوة (حتى لو كانت دبابة)، ليس مؤهلاً لتولي أي منصب إداري ولو كان (كاشير) في محل لبيع (الكوارع).
وهانت يا قضارف، نخشى عليك من يوم يتسلح فيه (معتمدوكِ) بالسفروكات وضباطك الإداريين بالعصي والسياط، وواليك ربما بسونكي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي