بعنخي والسيسي وحلايب والنهضة
أعارني الزميل المبدع (إسماعيل حمودي) صاحب (سلسلة فنجاط)، عدد يونيو الجاري من النسخة العربية لمجلة (National Geographic)، وأشار إلىّ أن المجلة ستخصص في عدد (أغسطس) المقبل، مساحة للحديث عن بعانخي الأول.
المجلة في صفحتها الأخيرة المعنونة (في العدد المقبل) روجت لثلاث مواد، ضمنها ما نبهني إليها (حمودي)، إذ كشفت عن أنها بصدد نشر مادة توثيقية عن القائد العظيم، وأشارت إلى أنه في العام (730 ق.م)، قرر قائد أفريقي يدعى بعانخي الأول غزو مصر (لإنقاذها من نفسها) بحسب النقوش التاريخية، وأن بعانخي الأول سيّر حملة عسكرية استمرت عاماً كاملاً فدانت له كل أرض الكنانة، وقالت المجلة: إن هذا القائد قام بأمر غير عادي، إذ جمع جيوشه وغنائمه بعد شهور قليلة من سيطرته المُحكمة على مصر وأبحر جنوباً عبر النهر عائداً إلى بلاده.
المجلة قالت، إن بعانخي هو سليل من أطلق عليهم علماء التاريخ اسم (الفراعنة السود)، وهم مجموعة من الملوك النوبيين الذين حكموا مصر لفترة امتدت (ثلاثة أرباع قرن)، تمكنوا خلالها من توحيدها بعد أن مزقتها الصراعات الداخلية وأسسوا إمبراطوية عظيمة امتدت من قلب القارة إلى المتوسط، ونوهت إلى أنها ستنشر التحقيق الشيق في عددها المقبل.
لكن قبل حلول (أغسطس) موعد القراءة الشيقة، زار أمس الرئيس المصري (السيسي) الخرطوم متوجهاً إلى أديس أبابا، الزيارة استغرقت ساعات قليلة، لكنها في الواقع ذات أهمية قصوى بالنظر إلى بعض المسائل العالقة بين البلدين، حيث ينظر الكثير من النافذين في تيار الإسلامي السياسي الحاكم في الخرطوم إلى الفريق السيسي بعين غير راضية، باعتباره انقلب على الإخوان المسلمين بينما يتوجس النظام المصري المدني الجديد من اصطفاف مناوئيه ومناصري (الإخوان) كحكام جنوباً، لكنه يدركون جيداً أنه ليس بوسعهم استعادة بعانخي إلاّ بطريقة واحدة أسوة بنا (حمودي وأنا) بأن ينتظروا العدد القادم من (National Geographic) ليحظوا بقراءة شيقة.
خطر لي وأنا أقارب بين بعانخي والسيسي، أنه ماذا لو رد الأخير جميل الأول بعد (2744) سنة، وانسحب من حلايب وأبحر شمالاً بجيشه وغنائمه، إذن لكانت تسوية حكيمة.
سياق زيارة الفريق السيسي تقتضي التطرق لموضوع سد النهضة، وهو لا يحتاج لاستعادة الإمبراطور (عيزانا)، لأن الحكومة الإثيوبية الراهنة، قوية ومنافحة عن حقوق شعبها وذات بأس شديد في ذلك، إذ قال وزير الدوله بالخارجية الإثيوبية (برهان قبركريستوس) إن رئيس الوزراء (ديسالين) سيلتقي السيسي، من أجل ابتدار مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، وكشف أن العلاقات بين البلدين ستشهد نقلة كبيرة في الفتره المقبلة، هذه التصريحات تعني أن تسوية ما ستطرأ على ملف سد النهضة، وهذا ما أشار سفير إثيوبيا إلى مصر (محمود درير) في مداخلة مع المذيعة المُطاح بها (رانيا بدوي).
على كلٍّ، لا نأمل فقط، بل نعتقد أن مصر تحت إدارة السيسي وبعد أن انتصرت على الهوجاء والغوغاء ستنتج خطاباً إعلامياً متزناً وعاقلاً، وبالتالي لن نحتاج لاستعادة سيرة بعانخي إلا من باب مدارسة التأريخ.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي