لا تُدفن في السودان
أمس قالت الأخبار، إن المنظمة السودانية الطبية (عون)، كشفت عن ممارسات وصفتها بغير الإنسانية يتعرض لها المرضى مجهولي الهوية بمستشفيات ولاية الخرطوم، كما أشارت إلى أنهم حال وفاتهم يتم دفنهم بطريقة غير شرعية وفي مقابر جماعية دون فصل الأنواع (ذكور وإناث مسلمين وغير مسلمين)، وأنه شهرياً يتم دفن ما بين 100 إلى 80 من هؤلاء وبهذه الطريقة.
رغم الوخز الذي شعرت به وأنا أقرأ هذا الخبر، إلاّ أنني لم أستغرب له ولم أندهش كما يحدث للبعضِ دائماً، وهم يطالعون هذا النوع من الأخبار قبل أن ينفوها عن (الأرض) وينسبوها إلى دخلاء مُفترضين أثروا سلباً على كريم العادات السودانية. فمثل هذه الحالات الإنسانية، موجودة في مجتمعنا ولم تهبط إلينا بـ (برشوت) الغزو الثقافي كما ندعي، لذلك فإن أردنا تطويقها والقضاء عليها، فلا بد لنا من الاعتراف بوجودها بيننا وأننا من نأتي بتلك السلوكيات المشينة والقبيحة واللا إنسانية، وليس من يبثونها هم متآمرين علينا يريدون تدميرنا.
هنا في مستشفيات السودان العامة أو الخاصة دعك عن مجهولي الهوية فأنت مهما علا شأنك وارتفعت قامتك، لو لم يكن بصحبتك (مُرافق) ذو بأس شديد فسوف تضرب بحذاء الإهمال، وتصفع بهراوة (الطناش والصهينة)، ومن يريد أن يرى (اللا إنسانية) فلينظم زيارة خاطفة إلى مستشفيات الخرطوم، لذلك فليس مستغرباً أن يتعرض مجهولو الهوية لكل هذه الإهانة، وأن تداس كرامتهم أحياءً وأمواتاً فيدفنون بتلك الطريقة البشعة.
في واقع الأمر، وبعيداً عن مجهولي الهوية، فإن طريقة دفن الموتى في السودان برمتها، طريقة يندى لها الجبين، فما أن يتأكد ذوو المتوفى أو المتوفاة، أو حتى قبل أن يتأكدوا من موته جيداً يحثون الخطى إلى المقابر ثم يهيلون عليه التراب ويعودون إلى منازلهم يرشفون الشاي والقهوة ويذبحون الذبائح ويغتاب بعضهم بعضاً، ويصرفون في ذلك مبالغ طائلة، لو اشتروا بربعها (شوية طوب وأسمنت وشاهد) لبنوا للراحلين من أحبابهم وأعزائهم قبوراً جميلة عليها شواهد أجمل، ولزرعوا حول سور المقابر وبينها زهور ونباتات، لكنهم لا يفعلون.
أحزن كثيراً وأنا أرى بؤس مقابرنا، وأشعر أننا لا نحترم الموت ولا الموتى ولا نجلهم ونوقرهم، وإلا لما أصبحت مقابرنا كمستشفياتنا تماماً بائسة وكريهة، لذلك فإن كثيرين ممن لديهم القدرة المالية يسافرون إلى الخارج طلباً للعلاج والاستشفاء على الأقل يجدون بـ (فلوسهم) معاملة إنسانية راقية، وإذا ماتوا ولم تُعاد جثامينهم إلى السودان، فسوف تُحظى بقبر رائع وجميل، وإن عادت فمصيرها كوم تراب ثم محو كامل من الوجود.
[/JUSTIFY]الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي