بقايا أناشيد مايوية..!
أشاهد هذه الأيام وبصورة متكررة فيديو من 4 دقائق… هو في حقيقة الأمر أغنية سيد خليفة عن الرئاسة الأولى للراحل الرئيس الأسبق المشير جعفر محمد نميري و تتخلل الأغنية مشاهد وصورة مختلفة للنميري مع السادات وزعماء آخرين وفي محاكمات مجموعة هاشم العطا والحزب الشيوعي السوداني وصور للقائات جماهيرية.
النميري كان محبوبا جدا وبلغ قمة شعبيته في تلك الإنتخابات وبعدها بسنين فقد رآه الناس مخلصا لهم من حكم شيوعي أحمر لو انفرد بالبلاد لأغرقها في بركة دم… وظهر للناس باعتباره “ود البلد” الوطني الذي لا ينتمي لفكر أو أيدولوجيا يمينية أو يسارية إنما للتراب السوداني فقط.
وكانت تلك الأيام تتميز برخاء نسبي وبقايا السودان القديم والخدمة المدنية والحركة السياسية والثقافية الريانة المترعة بالضياء.
ونجح النميري بعدها في إبرام إتفاقية أديس أببا التي أخمدت حرب الجنوب قرابة العشر سنوات ونجح في أشياء كثيرة… وتميز بإختيارات لا تمثل شيئا سوى المصالح السودانية ومنها وقوفه مع السادات إبان اتفاقية “كامب ديفيد”!
لكن سرعان ما أحيط النميري ورجال إدارته بمجموعات من المنتفعين وبدأت الحكومة تتحول إلى تحالف نفعي جشع ومخيف بين طلاب السلطة وعشاق الثراء السريع.
دخل النميري في هذه الدوامة ولم يفق منها إلا ومعالم الانتفاضة الشعبية بدأت تتشكل وتسد الأفق… والأزمة الاقتصادية تفاقمت والخلل الإداري أدى إلى موجات متواصلة من قطوعات المياه والكهرباء… والقطوعات لم تكن ساعات بل أياما.
في ذلك الزمان كنا في درجة من الوعي تمكننا من التعرف على نشوء وتطور الاحتجاجات الجماهيرية… في حي مثل الثورات… عدد الناس كبير والكهرباء والمياه مقطوعة…. والحياة متوقفة تماما… والناس يجلسون في كراسي على الطرقات… متسخين وعرقانين و”ملسلسين”… وأملهم هو “جردل مياه” يستحمون به… آخذين في الاعتبار حب السودانيين للاستحمام والاستجمام والحياة الكريمة.
لا يوجد مسلسل ولا تلفزيون بسبب قطوعات الكهرباء…. لا يوجد أي شيء سوى الاحتجاج الجماهيري غير المنظم…. وفي نهاية الأمر نظم نفسه بنفسه وإنطلق..!
مما زاد الطيب بلة خطاب النميري الاستفزازي الأخير… ومنه خرج الناس بلا عودة… انحاز البوليس للشعب ولم يمارس قمعا يذكر… وبعدها انحاز الجيش للشعب وانتهت القصة..!
انتهت القصة وبقيت العبرة… وبقي هذا الفيديو يتجول في الواتساب من جهاز لآخر… وصوت سيد خليفة يؤكد… بالملايين بالملايين قلناها نعم… نعم صحيح قالوها وكانوا صادقين ولكنهم انتفضوا وصاروا صادقين.
[/JUSTIFY]
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني