الطاهر ساتي
كردفان .. جنوبها وشمالها ..«1»
** نعم هي هواجس تؤرق كاهل إنسان تلك الديار التي تأثرت بالحرب سابقا ثم تتأثر حاليا بمخلفاتها ..حيث لاتزال مناطق في شرق الولاية وغربها وجنوبها خارج شبكة الدولة ، وهي المسماة بالمناطق المقفولة ..وكاودا الواقعة في جنوب الولاية إحدى تلك المناطق ، كانت بمثابة عاصمة رمزية لقوات الحركة الشعبية في زمان تمردها ، ومنها كانت تتسلل عملياتها العسكرية .. وإلي اليوم – رغم مضي عام وثان وثالث على اتفاقية السلام – تفتقر تلك المناطق بما فيها كاودا إلي أبسط مقومات الحياة ، ويعيش إنسانها حياة أقرب إلي حياة إنسان القرون الوسطى : بلا مياه ، بلاكهرباء ، بلا مشافي ، بلا مدارس ، بلا ..بلا ..بلا .. بل ، لاتزال بعيدة حتى عن ظلال سلطة الدولة وقوانينها ..!!
** وفي خاطري زيارة لنائب الوالي السابق عيسى بشرى كانت تستهدف منطقة جلد ، ولكن أفرادا ينتمون للحركة الشعبية أبلغوه عند مدخل المنطقة بأن زيارته غير مرحب بها من قبل قوات الحركة ، وأنهم غير مسؤولين عمايحدث له ولوفده ، ورغم توسط وتوسل الوالي السابق إسماعيل خميس جلاب – رئيس الحركة بالولاية و قائد تلك القوات – إلا أن قواته رفضت الزيارة ، ورجع الوفد قاطعا ذات الطريق الوعر الي الدلنج .. وهكذا بعض المناطق .. معزولة .. ولهذا حين أفاد الوالي أحمد هارون مجلس الوزراء عن اتفاقه مع نائبه عبد العزيز الحلو بنقل بعض اجتماعات مجلس حكومته إلي مدينتي كاودا وأبوجبيهة ، باعتبار أن لاحداهما رمزية سياسية وللأخرى رمزيتها الاقتصادية ، وجدت إفادة هارون إرتياحا في نفوس الذين يعرفون الطبيعة الجغرافية والسياسية لكاودا ، وما تعانيه من عزلة ..!!
** وأحسب أن المدخل الذي اختاره أحمد هارون إلي الولاية مدخل صحيح ، حيث دخلها من باب : احترام الآخر الذي يشاركه في حكومة الولاية بمنصب النائب ، وعلى الأرض بقاعدة لاتخطئها عين ..ويخطئ من يظن بأن شريكا دون الآخر يستطيع أن يحقق وحده آمال أهل جنوب كرفان والمتمثلة في تحقيق السلام الشامل أولا ثم توفير الخدمات ..واتفاق هارون والحلو على عقد اجتماعات حكومتهما في كاودا مؤشر جيد بأن المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بدآ السير على الطريق الصحيح الذي يجب أن يتواصل بالتنفيذ الكامل لبروتوكول جنوب كردفان وجبال النوبة ..وكل الآثار السالبة ، والتي منها بقاء مناطق معزولة ، ناتجة عن تأخير تنفيذ هذا البروتوكول ، وخاصة المتعلقة ب : نزع السلاح وتسريح القوات غير النظامية في الطرفين ، وبناء مؤسسات الخدمة المدنية ، ودمج الشرطة ، وغيرها ..والآثار السالبة لعدم اكتمال تنفيذ البروتوكول بجانب تأثيرها على المواطن ، أثرت أيضا على العلاقة بين الشريكين وآداء سلطتهما الولائية ..!!
** وعليه .. هناك فرصة ذهبية – وقد تكون أخيرة – لأحمد هارون وعبد العزيز الحلو ، للخروج بالولاية الي حيث غايات أهلها وكل أهل السودان : السلام ، الأمن ، الخدمات .. وعليهما استغلال المناخ الوفاقي الراهن الذي سرى بين الشريكين وقواعدهما في الولاية عقب التشكيل الوزاري الأخير .. وهو المناخ الذي عبر عنه وزير الخارجية دينق ألور ، في ذات الاجتماع ، حيث لم يخف إرتياحه باختيار هارون واليا لتلك الولاية ، وأكد ثقته في حسن إدارته لأمر الولاية بالتعاون مع الحلو ..وهذا النوع من الارتياح كان مفقودا في جنوب كردفان ، كان هناك تشاكس وعدم ارتياح ..نأمل أن يتواصل هذا الارتياح حتى يرتاح الأهل هناك من آثار « الحرب والفقر وشح الخدمات » …!!
إليكم – الصحافة السبت 23/05/2009 .العدد 5713