جمال علي حسن

ساخطون بدرجة الاحتراف


[JUSTIFY]
ساخطون بدرجة الاحتراف

ما إن هبطت الطائرة مطار الخرطوم إلا وخلع معظم الركاب على متنها من السودانيين القادمين من ديار الغربة.. خلعوا نظاراتهم التي يرون بها كل الأشياء خارج حدود الوطن على أنها الأجمل ويلتمسون بها العذر للآخرين على التقصير حين يجدونه ويصبرون بها على النظر إلى كل قبيح..

خلع هؤلاء جميعهم النظارة الوردية وارتدوا نظارة سوداوية ناقدة لاعنة لا ترحم أبداً..

نظارة ترصد وتنتقد كل صغيرة وكبيرة وتخلق مقارنات مستمرة بين مطار الخرطوم وغيره من المطارات خلف فرضية مسبقة هي (البلد دي انتهت) جميعهم يريدون تأكيد هذه الفرضية وتساعدهم على ذلك تلك (الملاحيظ) – كما يسميها العسكريون – في خدمات ووضع وحالة المطار والتي تفسح المجال والفرصة لممارسة تلك العادة غير الحميدة.. عادة السخط المستمر والتي تحولت إلى ظاهرة وثقافة اجتماعية.

نعم هناك فوارق ملحوظة في المستوى والجودة بين مطار الخرطوم والمطارات الأخرى، وهناك أشياء تجعلك تستاء أحياناً من الوضع، لكن الشيء الذي يغيظ أن بعض هؤلاء القادمين من الخارج من محترفي السخط على البلد هم أنفسهم الذين يتسببون في الكثير أشكال الفوضى والتأخير الذي يحدث.. مما يؤكد أن التزامهم بالنظام والسلوك الحضاري خارج حدود الوطن ليس التزاماً طوعياً يرتبط بدرجة التحضر، لكنهم مضطرون للالتزام بالنظام حيث لا تسمح لهم اللوائح خارج الحدود بالفوضى، فيتخلون عن ذلك السلوك الحضاري (الإجباري) بمجرد أن تطأ أرجلهم أرض الوطن..

كنت أحد ركاب رحلة طيران قادمة للخرطوم من مطار دبي يوم الثلاثاء الماضي، وقد واجه ركاب هذه الرحلة متاعب كبيرة في مطار دبي. حيث رفض الموظفون بشركة الطيران السماح لعدد كبير منهم الصعود بحقائبهم الصغيرة إلى متن الطائرة برغم أن تلك الحقائب كانت قد تمت معاينتها على كاونتر الميزان والسماح بها قبل أن يتفاجأون وهم على بعد خطوات من الطائرة بمنعهم من حملها.. وقد شاهدت امرأة تطلب من الموظف السماح لها بحمل حقيبتها التي تحتفظ فيها بعلاجات السكري، لكنه لم يقبل إلا بعد (التحنيس)..

وللمفارقة انتظرنا ساعة ونصف وقوفاً عند بوابة صالة السفر بمطار دبي في تأخير لا نفهم أسبابه ولا أحد من الركاب عبر عن احتجاجه أو حتى قال (بغم)..

لكن نفس هؤلاء الركاب وبعد ساعات قليلة كانوا بمطار الخرطوم قد انتظروا البص الداخلي ثلاث دقائق فقط خارج الطائرة سمعت فيها من اللعن والسب للبلد ما لا تتخيلونه، أحدهم قال (خلاص جينا للفوضى) وسمعت صوتا من خلفي يقول (هذا لا يحدث إلا في السودان) متناسياً ماحدث له قبل ساعات بمطار دبي (شخصياً)..!!

لا شيء سينصلح في حالنا إن لم ننصلح نحن أولا.. وقد طالعت الملاحظات التي عبرت عنها مقالات أحمد منصور قبل أيام وشعرت أن قلمه كان مهيئاً للنقد قبل أن يدخل المطار ويحدث له ما حدث.. لأنه يقرأ ويتعبأ بغاز السخط العام الذي ظللنا نلوث به كل أجواء بلادنا.

ليس أمور مطاراتنا أو أمور بلادنا على ما يرام هذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً أننا لسنا على مايرام.

شوكة كرامة:

لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

[/JUSTIFY]

جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي