عبد اللطيف البوني

اسبوع الذكريات

[ALIGN=CENTER]اسبوع الذكريات [/ALIGN] الاسبوع الذي انصرم شهد عدة ذكريات توقف عندها البعض باعتبار انها علامات فارقة في المسيرة كل حسب اهتمامه، ونحن في السودان لدينا ولع بالذكريات بدليل ان اغانينا تزخر بها، فالشفيع عليه رحمة الله اوقف لها اغنية كاملة (الذكريات صادقة ونبيلة) وعبد الدافع عثمان (ذكراك ما ذكرى غير العذاب الوان) اما ابراهيم عوض (تذكار عزيز) و(هيجتني الذكرى)، ولاولاد وبنات الزمن دا فنان عربي يقول (ذكريات والبوم صور).
مرت بنا الذكرى الاربعين لثورة 25 مايو 1969 أم نقول انقلاب؟ فمايو كانت عدة نقاط تحول في تاريخ السودان السياسي فقد بدأت بالاحتفال بمئوية لينين وانتهت بمبايعة النميري اماماً للمسلمين، فترة مايو شهدت أكبر عدد من الانقلابات الفاشلة وتجارب اقتصادية من اقصى الاشتراكية الى اقصى الرأسمالية، كل السياسيين عارضوها وكل السياسيين صالحوها وبدون استثناء علماً بأنها لم تجرب أي شكل من أشكال التعددية. الاموال التي دخلت السودان في ايام مايو لم يكن لها مثيل من حيث الحجم وديون السودان التي تركتها مايو ليس لها ايضاً مثيل، فمايو هي الوحيدة التي حققت سلاماً في الجنوب ولكنها تركته مشتعلاً باسوأ مما وجدته عليه، ومايو ارتمت في حضن السوفيت وكأنها دولة من دول حلف وارسو ثم ارتمت في حضن الأمريكان وكأنها جمهورية من جمهوريات الموز في أمريكا الجنوبية. باختصار أصبح السودان في مايو (فأر معمل) لا بل (جقراً) بكسر الجيم والقاف.
كذلك مرت بنا الذكرى السادسة والعشرين لقيام الحركة الشعبية لتحرير السودان اذ تأسست في 16مايو 1983م، فالحركة الشعبية أول حركة جنوبية مسلحة تنادي بوحدة السودان ثم ضمت في عضويتها ناشطين شماليين، لقد استغربها الجنوبيينوالشماليين معاً، فالجنوبيون يرون ان التحرير يجب ان يكون من (المندكورات) والشماليون تساءلوا تحرير ممن؟ حاربت الحركة حرباً اقرب للنظامية ثم سالمت في اتفاقية اعطتها كل الجنوب حلالاً بلالاً. الحركة متأرجحة (مشبحة) بين انفصال أصبح في متناول يدها ووحدة لا تعطيها ما تحلم به من حكم لكل السودان. احتفلت الحركة بذاكرها بصورة غير مسبوقة اذ اقامت عدة ندوات جماهيرية في العاصمة في وقت واحد لتثبت انها تملك خطاباً سياسياً وجماهيرباً وكوادر قيادية ولكن لاندري هل كان نفس الزخم الاحتفالي قد تم في الجنوب؟ هذه الايام اخذت الحركة تلعب (بولتيكا) مثلها مثل أي حزب سياسي عادي آخر تكتيكات وآخر تحالفات وآخر تفاهمات ويبدو ان النتيجة ستكون فقدان بوصلة السودان الجديد لتصبح دعاوى التهميش والمهمشين مجرد ذكريات، فالسلطة أنست الحركة اسمها كما أنست أخوها (الكاشف) الذي تقاسمه الحكم اسمه ورسمه.
مرت بنا في ذات الأيام الذكرى الثالثة لرحيل ديناصور الغناء السوداني وفنان كل العصور الفنان الذري ابراهيم عوض الذي انتقل للرفيق الاعلى في يوم السبت 23 مايو 2006م تاركا خلفه رصيداً من النغم والشجن عمره نصف قرن من الزمان ولكنه سيعيش ان شاء الله ما بقي في السودان مستمعاً للغناء العذب الجميل، لقد كان ابراهيم نقطة تحول في الاغنية السودانية ويعتبر من المؤسسين لاغنية المدينة في السودان، لقد ادخل عنصر الحركة في الاغنية وكان ابراهيم عوض هو المجسد الفني للتطورات السياسية والاجتماعية التي اجتاحت السودان، فقد ظهر مع نضج الحركة السياسية الذي اكتمل في اعلان الاستقلال ولم يكن ابراهيم ظاهرة فنية بل كان ظاهرة اجتماعية بهندامه الجميل وتسريحته التي اجتاحت كل السودان. لقد كانت اغنية (حبيبي جنني) تسونامي اجتاح عالم الطرب السوداني ثم جاءت (اصبر خليهو ومين قساك) اما (عزيز دنياي) و(يازمن) و(المصير) فقد كانت (إلياذات) الغناء السوداني. لقد قدم ايراهيم عوض مشروعاً فنياً تغلغل في وجدان أي سوداني حتى الذين لم يسمعوا بابراهيم عوض.

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
العدد(22691) بتاريخ 29/5/2009)
aalbony@yahoo.com