د.عبد الوهاب الأفندي

انتصار الأسد.. ونتنياهو والسيسي


[JUSTIFY]
انتصار الأسد.. ونتنياهو والسيسي

(1)
لا بد أن نهنئ السيد الرئيس المنتخب بشار الأسد بنصره المبين على الشعب السوري. فالرجل حقق ما يريد، وخرج علينا أمس الأول يختال كما الطاؤوس (أم يا ترى نقول البوم) فوق خرائب دمشق، ويضحك ويتندر على أردوغان وغيره. رغم أن أردوغان لم يشرد شعبه، بل هو يؤوي ويطعم مئات الآلاف من السوريين الذين شردهم الأسد، ولم يدمر بلاده، بل جعل اقتصادها الثامن عشر على مستوى العالم؛ وهو لم يزور نتيجة الانتخابات التي فاز فيها فوزاً حقيقياً.
نعم، نحن نشهد أن أردوغان قد هزم، لأنه لم يستطع أن ينقذ الشعب السوري من جلاده، وأن الأسد قد انتصر، لأنه قتل كل من استطاع من شعبه، وجوع وشرد وهجر. ويحق للأسد أن يضحك وأن يطلق النكات، فقد هزم سوريا وأصبح قاهر السوريين، مثل سلفه هولاكو، ومثل الجنرال غورو قاهر ثوار ميسلون، فالانتصار انتصار.

(2)
في رمضان الخير هذا، وهو شهر بدر والانتصارات العظام، لا بد أن نهنئ الزعيم المحترم المحبوب لثلاثمئة مليون عربي، القائد الأوحد بنجامين نتنياهو، والأكثر استحقاقاً للقب أمير المؤمنين من مرشح داعش المسكين. فنتنياهو قد انتصر أيضاً، وسل سيفه المغوار على جيوش التتار المقبلة من غزة، فأبلى أحسن البلاء. وقد نقلت البي بي سي عن جنرال إسرائيلي قوله إن إسرائيل نجحت في صد الهجمات الصاروخية لحماس، وهي قادرة على ضرب غزة بينما الفلسطينيون غير قادرين على ضرب إسرائيل، مضيفاً: لا نعتذر عن ذلك، فقد استثمرنا الكثير في أسلحة متطورة للدفاع عن مدنيينا. فهل تريدون أن نسمح لمدنيينا أن يقتلوا حتى تكون صورة إسرائيل رائعة؟ معاذ الله!

(3)
من نعم شهر الخير علينا كذلك أن الجنرال عبدالفتاح السيسي نصب نفسه رئيساً لمصر في نهاية عشر الرحمة من الشهر الفضيل، بعد أن انتخبه الشعب بنسبة أكبر من الأسد المسكين الذي حصل على فقط على 88,7٪ (يا حسرة، ربما لأن البقية ماتوا رحمهم الله) مقابل أكثر من 97٪ لسي السيسي (الحمدلله أن من قتل وسجن في مصر أقل من سوريا، حتى الآن). انتصار عظيم يستحق التهنئة، كما كان كرومر وكتشنر يستحقان التهنئة. فليسعد سعادته بإعادة شعب مصر المتمرد إلى أغلاله، وليسعد معه أولئك المرحبون بقيود الذل لأن نور الحرية يتعب عيونهم المريضة.

(4)
نعم، هم أعلنوا الانتصار علينا، كما فعل يزيد من قبل والحجاج وهولاكو ونابليون وألنبي وموسوليني، وموشي دايان وشارون، والقائمة تطول. نعم انتصروا، ثم ذهبوا وبقينا.
انتصر بن غوريون ورحل، ولكن فلسطينياً واحداً (اذا استثنينا محمود عباس) لم يقبل حتى الآن أن يتنازل عن ذرة من تراب وطنه للمحتل. انتصر غورو، ولكن الشعب السوري يتحدث العربية لا الفرنسية، وتدين غالبيته العظمى بالإسلام لا الكاثوليكية. انتصر يزيد وانتصر الحجاج، ولكن فتش عن شخص واحد يشيد بهما.

(5)
في الماضي، كانت الأمة تصابر الطغاة أعواماً وعقوداً قبل أن تنتفض عليهم. لكن الطغاة اليوم يقفون مفضوحين حتى وهم يحتفلون بانتصارهم وكل منهم يرتجف خوفا ولا يجرؤ على مغادرة قصره إلا كما يتحرك رائد الفضاء خارج مركبته، ولا يستطيع مقابلة حشد من عشرة أشخاص في ميدان عام. في عصرنا هذا، لا تقاس فترة بقاء الطاغية بالشهور ولا بالسنوات، بل بالدقائق وبطول رسائل التويتر. فهم ساقطون وهم على عروشهم، مثل سليمان (مع الفارق) مع منسأته التي أسندت جثته الهامدة.

(6)
من فوائد هذه الانتصارات العظيمة أنها حققت فرزاً لم يسبق له مثيل في تاريخنا. الآن حصحص الحق وميز الله الخبيث من الطيب، ليجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم.
نحن نعرف اليوم من العدو، فهم كلهم في صف واحد، وفي جانب واحد، وبقلب واحد. لا فرق بين من يحمل اسماً عربياً أو اسماً عبرياً: كلهم يكره الشعوب العربية، وكلهم يريد وضعها تحت نعاله وسوقها بالعصا. قد بدت البغضاء من أفواههم وإعلامهم، وما تخفي قلوبهم السوداء أعظم.

(7)
عندما تأتي الثورة العربية الحقيقية، وهذا الفرز من أحد أهم بشائرها، ستكون الصورة أوضح بكثير من أي وقت مضى. فقد أدان المجرمون أنفسهم بألسنتهم وأفعالهم، ولن يستطيع أحد منهم أن يركب موجة الثورة كما فعل كثيرون من مرتادي الإجرام من قبل، ذارفين دموع الندم الكاذبة. ستشهد عليهم أيديهم وألسنتهم، وأشرطة الفيديو.

(8)
كنا وما زلنا نتمنى لو أن مجرمي الأمس تركوا الشعوب تمارس حرياتها، وتحكم نفسها بنفسها، وقبلوا صفقة عفا الله عما سلف. ولكن «تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم»، ويأبى الله إلا أن يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون. فليهنأ أصحاب الانتصارات المدعاة بأوهامهم، لأنها برهة قصيرة، إن شاء الله.
[/JUSTIFY]

د/ عبد الوهاب الأفندي
صحيفة القدس العربي
[email]awahab40@hotmail.com[/email]