جعفر عباس

أبو الجعافر خواجة ومولانا

[JUSTIFY]
أبو الجعافر خواجة ومولانا

صرت مدرسا في المرحلة المتوسطة هربا من كلية القانون، وفي انتظار مقعد مضمون في كلية الآداب في عام دراسي جديد، وكانت أسرة المدرسة تتألف من الناظر (المدير) وشخصي، وكان المدير يدرس الجغرافيا والتاريخ واللغة العربية، وأنا أدرس الإنجليزية والتربية الاسلامية والحساب (لم تكن كلمة رياضيات مستخدمة في ذلك الزمان، ليس عن جهل بل عن معرفة حقيقية بطبيعة هذا العلم الدقيق، فالحساب والجبر والهندسة معا يصبحان رياضيات) ولم تكن هناك ثمة مشكلة في تدريس التربية الاسلامية فالمنهج كان بسيطا، ولا يسبب إرهاقا وحمولة زائدة لذهن تلميذ السنة الأولى المتوسطة، وكما قلت في مقال سابق فقد عانيت الويل وسهر الليل في تدريس الحساب، ولجأت إلى الطريقة القرداحية: الاستعانة بصديق، وبما أنني كنت سلفا قد التحقت بالجامعة وشكلت فيها صداقات فلم أجد صعوبة في الحصول على اكثر من متطوع ليدرس الحساب نيابة عني نظير دعوة لمشاهدة فيلم سينمائي أو وجبة شبه دسمة، أما بالنسبة للإنجليزية فقد كانت معشوقتي، ورغم أنني لم أتلق أي تدريب لممارسة التدريس، فإنني كنت أعرف طرق تدريس الإنجليزية للمبتدئين جيدا، لأنني كنت أتذكر كيف كان أستاذي مدني محمد عبدالماجد وهو من تلقيت على يديه مبادئ تلك اللغة يدرسنا إياها حتى عشقتها وصارت جواز مروري الأكاديمي والمهني، وهناك ثلاثة مدرسين تركوا في نفسي أثرا إيجابيا لا ينمحي طالما مخي ينبض بالحياة، وحببوا التدريس إلى نفسي وأولهم عثمان سيد أحمد كنة في المرحلة الابتدائية في جزيرة بدين ولم يكن فقط من أبناء الجزيرة بل تربطني به قرابة دم تحولت إلى صداقة قوية بعد دخولي الحياة العملية، وثانيهم مدني محمد عبدالماجد (حي بيت المال بأم درمان)، وثالثهم محمد بشير الأحمدي (من مدينة بربر)، وقد كان ثلاثتهم قدوة لنا في كل شيء ومحبين لمهنة التدريس ويكرسون الكثير من الوقت لتحفيز التلاميذ على التعلم والدراسة (وهذه نقطة مهمة إذا تذكرنا أن كثيرا من أولياء الأمور كانوا يرون في التعليم ما بعد المرحلة الابتدائية مضيعة للوقت والعمر ولا أذكر أن سمعت زميلا لي يقول إن أهله يضغطون عليه ليذاكر دروسه، لتحسين أدائه، ولعل ما حدث لي خير شاهد على ذلك، فقد فرح أبي بتركي للجامعة خاصة بعد أن عرف أنني لن اتخرج «دكتورا»، وصرت مدرسا اتقاضي 21 جنيها، ونلت بذلك الاستقلال الاقتصادي وصرت أساهم في دعم ميزان المدفوعات العائلي، ولما أكملت سنة في التدريس وأعلنت أنني سأستأنف الدراسة في كلية الآداب حتى قال: أنت ولد أهبل، ومش وش (وجه) نعمة، لأنني سأضيع من عمري أربع سنوات على الأقل في ما كان يسميه «حاصل فارغ» أي عديم الجدوى، ولكنني كنت ومع التحاقي بكلية الآداب أملك من المال ما يغطي نفقاتي الخاصة، بينما كانت الحكومة الله يخليها تتكفل بأكلي وشرابي ومسكني وتعليمي
وبسبب ثبات المناهج كنت أتذكر كيف كان مدني يدرس كل جزء من مقرر اللغة الإنجليزية، كما كان هناك كتاب «مرشد المعلم» يشرح طرق التدريس والتشويق والانتقال من مرحلة في المقرر إلى أخرى، الذي كان مقسما بدقة ويتدرج من ريدر ون (1) إلى ريدر 6، بنهاية السنة الرابعة المتوسطة وبإكمال تلك السنة كان الطالب في موقف يمكنه من كتابة مواضيع انشاء طويلة بالانجليزية، بل هناك قصائد معروفة جدا في الأدب الإنجليزي حفظتها في تلك المرحلة ومازلت اتذكر كل كلمة فيها، وبالمناسبة فإن علاقتي بتلك المدرسة لم تنته بعودتي إلى الجامعة فقد ظللت أمارس فيها التدريس تطوعا لنحو ست سنوات حبا للمهنة ولزميلي المربي الفاضل الراحل عبدالفتاح صالحين.
* في السودان نسمي مدرس
التربية الاسلامية والقاضي «مولانا».

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]