عبد اللطيف البوني

مبروك الرخصة


[ALIGN=CENTER]مبروك الرخصة[/ALIGN] هنالك ظاهرة اختفت الآن جزئياً وهي ظاهرة (المرخصين)، وهذا الاسم كان يطلق على الجماعة الذين كانوا يعتلون صواني الخرطوم ويمشون في الطرقات هياماً على وجوههم دون هدف، فكان عمنا سيد العامل بروضة البنك القريبة من صينية شارع المك نمر يصعد الصينية يخطب منادياً بضرورة بقاء النساء في منازلهن رحم الله العم سيد وأسكنه فسيح جناته، اما صديقنا عبد الكافي صديق فقد كان يعتلي الصينية القريبة من مستشفى الخرطوم ويغني اغاني وردي وابراهيم عوض بصوته الاجش، وكان آخر يقف بالقرب من صينية رجل المرور بريش ويكرر عبارة (ما اسوأ ان تكون شعباً)، أما المرخصين في شارع مدني الخرطوم فقد كانوا وما زالوا (يطرحون الشارع) بثيابهم الرثة وشعورهم الكثيفة وارجلهم الحافية، فقد قل عددهم في الآونة الاخيرة وهؤلاء يقال لهم (مرخصين) أي لديهم رخصة ولايتعرضون لأية مساءلة، وقديما كانت شرطة الحركة لا تسأل إلا عن الرخصة أما أخيراً فيصعب حصر ما تسأل عنه.
مناسبة هذه الرمية الطويلة ماجرى يوم الاثنين الماضي في قاعة الصداقة من احتفال بتسليم الأحزاب شهادة التسجيل وهي بمثابة رخصة لمزاولة العمل السياسي حيث قام مجلس الاحزاب بتسليم «36»حزباً رخصة عمل هذا بالاضافة الى «32» حزباً كانت قد وفقت أوضاعها من قبل ليكون حاصل الجمع «68» حزباً بالتمام والكمال، وقد رفضت «50 » طلباً وعلى حسب الدستور ان هذه الخطوة تعتبر البداية الرسمية للحياة التعددية في السودان، فأي حزب من هذه الاحزاب (المرخصة) يمكنه ان يمارس عمله السياسي بإقامة الندوات السياسية واصدار صحيفة وجمع اشتراكات وتبرعات وملكية عقارات وعربات، أي باختصار أصبح الحزب شخصية اعتبارية كاملة الدسم (طبعا دي اللفة البتظهر فيها الفروقات بين الخيول)، فغداً سنشاهد الاحزاب التي لا تمتلك صحفاً فحسب، بل قنوات فضائية والدور الوسيعة والعربات الفارهة وبعضها سيكون مثل مرخصي الصواني وشارع مدني (بيني وبينكم الحكاية ظاهرة من هسة).
أي متطلع لتعددية سياسية راشدة في هذه البلاد لابد ان يرحب بخطوة التسجيل (الترخيص ) هذه لأنها تدل على ان احزابنا بدأت تعمل وفقا للقانون، فقد رفضت كل الاحزاب الكبيرة في بداية الأمر فكرة التسجيل نهائياً واعتبرتها اعادة انتاج لفكرة التوالي التي ابتدعها الترابي ولكن بعد اتساع كوة الحرية بعد نيفاشا وانشاء مجلس الاحزاب تم التعامل مع الاحزاب القديمة بصورة راقية وواقعية، اذ سمح لها بتوفيق اوضاعها بالحد الادنى من المطلوبات، وكل الذي نتمناه ان تلتف الاحزاب حول هذه المفوضية (مجلس الاحزاب) وتسعى معها وبها لتطوير التجربة الحزبية وذلك بتقليل عدد الاحزاب، فالملاحظ الآن ان هذا العدد الكبير يحتوي على كل التشظي الحادث للاحزاب، فحزب الامة انبثقت (حلوة انبثاق دي) لخمسة احزاب والاتحادي اربعة احزاب والاسلاميين اربعة واليساريين ثلاثة وهناك احزاب شللية واحزاب أسرية، فلابد من ان تتقلص هذه الاحزاب الى اقل عدد ممكن وهذا لا يمكن ان يتم الآن لأن الدستور يتيح حرية التنظيم ولكن يمكن فيما بعد ان يشترط لتسجيل أي حزب ان يكون لديه عدد من النواب في البرلمان أو الحصول على عدد محدد من الأصوات في الانتخابات.
على العموم ألف مبروك الترخيص لكل الذين رخصوا وان شاء الله سودان تعددية وليبرالية وشورى وديمقراطية، ونتمنى ان تكون الرخص الممنوحة لقيادة قديرة وواعية ومتفهمة، وليست لصعود الصواني والسير في وسط شارع الاسفلت.

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
العدد(22691) بتاريخ3/6/2009)
aalbony@yahoo.com