احكي يا شهرزاد .. معالجة قديمة لقضايا قهر المرأة وحريتها
بغض النظر عن بعض المشاهد الجريئة التي قدمتها الممثلة المصرية منى زكي في فيلم “احكي يا شهرزاد”، والتي بدت استعراضاً تشكيلياً وجمالياً لحركة الجسد، أكثر من كونها عزفاً مبتذلاً على وتر الغرائز الجنسية، فإن أكثر ما يلفت النظر في الفيلم، هو حالة التعاون بين شخصيتين سينمائيتين من النادر أن تلتقيا في العادة، لاختلاف رؤاهما وفهمهما وأسلوب تعامل كل منهما مع العمل السينمائي، وأقصد السيناريست وحيد حامد والمخرج يسري نصر الله، فحامد الذي يعد أحد أشهر وأهم كتاب السيناريو في السينما المصرية، قدّم خلال مسيرته أعمالاً جادة لكن من خلال حركة السوق السينمائية وإيرادات شباك التذاكر، واقترن اسمه لفترة طويلة بعادل إمام ليس ككاتب تابع للنجم ومنفذ لرغباته، بل كمؤلف صاحب رؤيا وموقف استطاع أن يجعل من كاتب السيناريو السينمائي نجماً، أما يسري نصر الله فقد عُرف كمخرج أفلام غير جماهيرية، لا تهمه ايرادات شباك التذاكر بقدر ما تعنيه السوية الفنية لعمله، وعلى الرغم من أن حامد ونصر الله عبر أعمالهما ورؤيتيهما للعمل السينمائي يلتقيان أخيراً في الرغبة في تقديم سينما جادة بعيدة عن الابتذال، ويجمعهما مشروع تنويري، إلاّ أنهما يختلفان كثيراً في الطريق إلى ذلك الهدف المشترك، ومن هنا تأتي أهمية تعاونهما في “احكي يا شهرزاد”، بغض النظر عن نتائجه، وعما إذا كانت مثل تلك التجربة من التعاون قابلة للاستمرار أو التكرار.
في “احكي يا شهرزاد” الذي يناقش موضوع القهر الذي تتعرض له المرأة في المجتمع المصري، مقدماً عدة قصص مأساوية لمجموعة نساء عانين من قهر الرجل خصوصاً، أو من قهر المجتمع الذكوري عموماً، ليتحولن نتيجة ما عشنه أو وقع عليهن من قهر إلى ضحايا، يتكئ وحيد حامد على قصص كتاب “ألف ليلة وليلة”، سواء من حيث رمزية قصته التي تصور المرأة كمسلية للرجل، فإن لم تفلح يكون مصيرها الموت، أو من حيث الشكل سواء عبر استخدام أسلوب الحكاية داخل الحكاية التي تعتمد عليها بنية الفيلم الدرامية، واستخدام البرنامج التلفزيوني كإطار لرواية قصص عن معاناة النساء، أو عبر اختصار المرأة في عنوان الفيلم باسم شهرزاد بطلة “ألف ليلة وليلة”، أو عبر إطلاق اسم “نهاية المساء وبداية الصباح” على البرنامج الذي تقدمه بطلة الفيلم هبة يونس التي جسدت شخصيتها منى زكي، في تذكير بالطريقة التي تنهي فيها شهرزاد قصصها التي تقصها يومياً على شهريار كي تؤجل قطع رأسها ليلة أخرى، لكن هذا الاتكاء في الفيلم على “ألف ليلة وليلة” الذي ينجح في استخدام المعنى الدلالي لاسم شهرزاد، وتقديم الشكل الخارجي لطريقة رواية الحكايا، يفشل في استلهام روح أسلوب رواية وتكنيك حكايا “ألف ليلة وليلة”، فيتحول إلى لغو وثرثرة وتطويل يثير ملل المشاهد، وهو عكس بنية حكايا الكتاب، الذي يعتمد على فكرة تسلية شهرزاد لشهريار.
تتميز قصص معاناة النسوة اللواتي يقدمهن الفيلم بمباشرية تصل إلى حدود الفجاجة، وتأكيداً على هذه المعاناة يتم تصوير القهر بمبالغة لا تخلو من قسوة وعنف وميلودرامية في العديد من قصص الفيلم، التي تتفاوت مستواياتها بين ترف المعاناة المتخيلة والمركبة كما في قصتي سلمى الحايك المصرية والمريضة النفسية أماني، وبين الغوص في قاع المجتمع المصري كما في قصة الفتيات الثلاث مع الشاب اللواتي ورثنه أجيراً في دكان والدهن بعد وفاته، والتي تذكر بقصص يوسف إدريس، وبين سذاجة قصة معاناة طبيبة الأسنان، وافتقادها لأبسط مقومات القصة المقنعة، وأخيراً مع القصة الرئيسية للفيلم التي تنقصها واقعية الحياة حول مقدمة البرامج وزوجها الصحافي الانتهازي الطامح لرئاسة التحرير، والذي يحاول نقل القهر الذي يقع عليه في سبيل ذلك، إلى قهر زوجته التي يعتبر برنامجها جزءاً من العراقيل التي تقف في طريق وصوله إلى هدفه.
هذه المعالجة التقليدية لموضوع قهر المرأة، رغم محاولة التجديد الشكلاني، أربكت يسري نصر الله مخرجاً، فلأنه كمخرج اعتاد أن يكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في أفلامه السابقة، لم يستطع في “احكي يا شهرزاد”، مع وجود شريك بحجم قوته إن لم يكن أكبر كوحيد حامد، ونص مقفل ومحكم غير قابل للتعديل لحساب الصورة، أن يفعل أكثر من تقديم بعض الاقتراحات الجمالية المختلفة التي تميز صورة الفيلم عن أعمال وحيد حامد السابقة، عبر تقديم كادر جميل التكوين، إن بالنسبة للمكان أو لحركة الشخصيات فيه، غني بالدلالات والرموز التي تضيف إلى معاني الحوار والحدث، وهذا الأمر انعكس سلباً على اداء الممثلين، خاصة بالنسبة للشخصية التي أدتها منى زكي، وشخصية زوجها التي أداها حسن الرداد، اللتين بدتا وسيلة إيضاح في يد المخرج، ولم يظهر من آثار عملهما على دوريهما إلاّ الأداء الاستعراضي، في حين تميز أداء شخصيات صغيرة مرّت في قصص الفيلم الجانبية وفي مشاهد قليلة فقط.
أخيراً إذا كان هناك ما يمكن قوله في النهاية حول تجربة التعاون بين مؤلف نجم ومخرج يعتبر أن الكلمة الأولى والأخيرة في العمل السينمائي تعود للمخرج فقط، فهو أن يسري نصر الله لم يستخدم من أدواته كمخرج في “احكي يا شهرزاد” سوى عينه، التي منحت لصورة نص وحيد حامد غنى كانت في حاجة إليه، ولذلك فإن الفيلم هو أقرب لأعمال وحيد حامد منه لروح يسري نصر الله.
العربية نت