الطاهر ساتي

وكان للناس..( نفيراً)


[JUSTIFY]
وكان للناس..( نفيراً)

:: ومن كوارث الأمطار والسيول، البرلمان يستدعي وزير الإعلام لتجاهل التلفزيون القومي أحداث الحرب على غزة .. نعم، هكذا نص الخبر كما جاء بصحف البارحة.. حياة أهل السودان – منذ أسبوع ونيف – ما بين الموت غرقاً في مياه السيول أو التشرد في العراء من وطأة مياه الأمطار، وكل الفضائيات تلتزم الصمت أو الغناء، ومع ذلك لم يفتح الضمير الإنساني من أبواب غضب البرلمان غير باب الغضب على حال غزة وأهلها، ولذلك يستدعي وزير الإعلام بغرض المساءلة .. صمت فضائياتنا أمام حال الأهل بالصالحة وأمبدة والحصاحيصا وغيرها ، و علما أن حالهم لايختلف كثيراً عن حال أهل غزة، ثم هم قاب قوسين أو أدنى من مباني البرلمان، هذا الصمت لم – ولن – يُغضب نواب البرلمان..فأي إنسانية برلمانية هذه التي تكيل بمكيالين، بحيت تغضب لموت وتشرد أهل غزة ولا تحرك ساكناً لموت وتشرد أهل السودان ..؟؟

:: المهم.. قبل عام، في نكبة كهذه، إحتشدوا تلقائياً وعفوياً بالعمارات شارع ( 37)..ثم إتخذوا مكاتب لاتزيد مساحتها عن المائة متر مربع كثيراً، ولكنها كانت بسعة آمال البلد و آلام الأهل ..وتزاحموا هناك بلا ضيق أو إختناق .. أكثر من عشرين شاباً جلسوا على الأرض، ومن وقفوا كانوا أضعافاً..و إسترقوا السمع إلى فتاة كانت تحاضرهم عن كيفية آداء المهام، وهي في مثل عمرهم.. كما النحل كان حراكهم في تلك المساحة، ولم تكن تسمع صخباً، والوجوه كانت مشرقة وعلى الشفاه بسمة رغم أنف الرهق والعرق والسهر.. وبمرؤة سودانية كان البعض يعبئ أكياس البلاستيك بالمواد الغذائية، ثم يعيد ترتيب وضع الأكياس عند مدخل المبني ليسهل ترحيلها إلى حيث مناطق النكبة والمنكوبين ..!!

:: بجانب نشاطهم، شفافيتهم كانت مدهشة.. تجاوب معهم المجتمع لحد الدهشة، ودفع – عبرهم – للمنكوبين دفع من لايخشى الفقر .. وكانوا أهل ثقة، ولم يخيبوا ظن الناس، وكانوا يعرضون للدنيا والعالمين تفاصيل أرقام المال وأحجام المواد الغذائية عبر صفحتهم بموقع التواصل الإجتماعي .. ولذلك لم يكن مدهشاً للناس والحياة أن يتوافد إليهم أفراد المجتمع بأموالهم و موادهم، وبعد إستلامهم يغادرونهم سريعاً لكي لا تعرف يُسراهم ما قدمت يُمناهم.. هكذا نال الشباب ثقة الشعب، بصدقهم وإخلاصهم ونزاهتهم ..وشركات السلطة لم تمدهم في نفرتهم بجنيه ولا بنوكها بجوال دقيق.. وكذلك لم تمدهم منظمات البلد -التي تنشط في كوارث غزة والصومال و البوسنة – بدولار أو جوال عدس .. وهم لم يراهنوا في إستنفارهم إلا على شعبهم، ولم يخزلهم الشعب..!!

:: فأين هم الآن؟..أي، أين شباب نفير؟..لقد كانوا – في كوارث العام الفائت – ملئ السمع والبصر والفؤاد..غابوا في عامنا هذا رغم حضور الكوارث في موعدها، فلماذا الغياب ؟.. قبل الإنتخابات الأخيرة بشهرين تقريباً ، زار الميرغني كسلا و إستقبلته كسلا بكل شبابها وشيوخها والنساء والأطفال، ومع ذلك لم يكسب حزب الميرغني دائرة انتخابية في الإنتخابات، فقال ساخراً من صناديق الخج : ( ربما إبتلع القاش كل تلك الجماهير).. وهكذا تقريباً لسان حال المنكوبين أمام غياب شباب نفير في خريف هذا العام، لقد إبتلعهم ( بحر الإحباط ).. نعم، فالمناخ العام ( مُحبط للغاية)، ومع ذلك ما كان عليهم الإستسلام لبؤس و قُبح هذا المناخ.. دعوا البرلمان يغضب ويحزن لحال غزة ومعاناة أهلها، وبادروا – أيها الشباب والطُلاب – لحال وطنكم ومعاناة أهلكم، فأنتم بعض أمل اليوم وكل ( آمال المستقبل)..!!

[/JUSTIFY]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]