الوجه الحقيقي والإستراتيجي لأزمة السيول والأمطار ..!

بامكاني وبإمكان أي كاتب أن يستخرج ما كتبه الخريف السابق ويعيد كتابته على طريقة (نسخ لصق) وتكون مادة مقروئة للجماهير ولكنني أراه أمرا غير مفيد ولو كان مثيرا للاهتمام وجالبا للقراء.
يذكرني هذا بطرفة السياسي والزعيم المشهور بل “الأشهر” بالمقدرة على الحديث وتفصيل الخطب … في الحكومة والمعارضة … فقد ادلى ذات مرة بخطبة وشغلت الناس كالعادة إلا أن باحثا شقيا اكتشف أن هذه الخطبة تمت على طريقة (نسخ لصق) في معظم فقراتها الأساسية.
عندما جيء للزعيم بالصحيفة التي كتبت هذا … قال يكفينا أن أرشيفنا ما زال يشكل الحاضر!
المهم في التعامل مع موضوع الخريف أن الحكومة أو الصحافة أو كل الأطراف ألا تغرق الأفكار البنائة والحية في “شبر موية” وفي جلد الذات لا نقدها!
أنا لم أعد أحتمل تفادي المشكلة الحقيقية والتي تتفاداها الحكومة وجل كتاب الرأي والناصحون وهي أن الخرطوم باتت المدينة الوحيدة في السودان التي تتجه إليها كل الهجرات الجماعية والفردية … السودانية والشرق إفريقية والغرب إفريقية … ولولا تدهور قيمة الجنيه السوداني لوجدنا إقليما كاملا من الجارة الكبرى إثيوبيا قد رحل للخرطوم ولوجدنا أكثر من ألف “معلم سيراميك وديكور” مصري يحملون عدتهم … في شوارع الخرطوم والخرطوم فقط لا غير.
إن كانت هنالك مدينة تنافس الخرطوم منافسة ضعيفة للغاية في الفترة الفائتة هي بورتسودان فقد اجتذب الكورنيش المشهور بعضا من العمالية الإثيوبية والأرترية … واجتذبت حركة العمران بعضا من الأتراك والمصريين.
لكن المأساة مازالت قائمة … نحن كسودانيين …. لو اغترب رجل من الضعين أو طوكر أو حلفا القديمة أو الجبلين فإن تحويشة عمره ستذهب لصالح قطعة أرض أو منزل في الخرطوم.
لو جاء مستثمر … سوداني أو أجنبي سيستثمر في الخرطوم … ورؤوس الأموال تتبعها العمالة والعمالة ثقل سكاني منتج ولديه “مصاريف” ولذلك فإن الخدمات تتبعه وليس العكس.
الأطباء يذهبون ويفتحون عياداتهم في المناطق التي يتكدس فيها سكان لديهم أعمال حتى ولو أعمال حرة “رزق اليوم باليوم” ولا يذهبون للمناطق التي تتكدس في الأمراض … وكذلك المتاجر وكل شيء حتى المصانع الصغيرة تفضل الأماكن التي تجد فيها عمالا لا يحتاجون لترحيل وبدل سكن وخلافه.
أنا أعرف مصنع صابون … تصديقه في موقع … مع أن المصنع في موقع آخر ..!
العاصمة دخلت في حدود كردفان و نحن نتحدث عن مجارٍ وصرف صحي … وهنالك نزاع مشهور بين ولاية شمال كردفان والخرطوم حول امتداد سكاني ..!
نحن الذين نكتب في الصحف أول من يجب أن ننتبه … يوجد في السودان قرابة الـ 60 إصدارة ما بين صحيفة يومية سياسية أو رياضية أو اجتماعية أو مجلة أو صحيفة “ولائية” … كلها تطبع في الخرطوم …. نعم كلها بما في ذلك بورتسودان مدينتي وعافية دارفور … وكل الصحفيين أو أكثر من 90% منهم في الخرطوم.
الفضائيات … كلها في الخرطوم … حتى فضائية البحر الأحمر تنقل مواد كثيرة من فضائيات الخرطوم … ومعظم الفضائيات الأرضية الولائية كذلك ننقل.
ربما تحسن الحال قليلا … لقد مضى علينا زمان … الحركات المسلحة في الخرطوم … الحركة الشعبية في سوبا وجبل أولياء وحركة مناوي في المهندسين … وهذا غير عدد من الحركات والقوات الأصغر حجما حول وفي أحشاء العاصمة.
فتحوا عيونكم … أمامنا كارثة أكبر من كارثة السيول والأمطار … أمامنا سودان يتقلص من أطرافه ويتراكم في مدينة واحدة … لدينا سياسات اقتصادية واستثمارية لم تفلح في تحقيق الازدهار لمدينة ولائية واحدة على حساب الخرطوم.
للدكتور إيلا إنجازات و تجربة تستحق الدراسة وربما غيره من الولاة أو المعتمدين … لا نظلم جهودهم بسبب شح المعلومة أو ضعف الإعلام!
ما حدث مؤشر يدفعنا لمراجعة الكثير والكثير من السياسات وتقديم الكثير من المقترحات ..!
[/JUSTIFY][/SIZE]
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني


