عبد اللطيف البوني

ميتة العنقريب

[ALIGN=CENTER]ميتة العنقريب[/ALIGN] نحن في السودان نهوى اوطانا هذه الاولى، وان رحلنا بعيد نطرى خلانا وهذه الثانية، (رحم الله احمد المصطفى) اما الثالثة فان لدينا دعوة شعبية مأثورة نصها (الله يدينا ميتة العنقريب) فحسن الخاتمة بالنسبة لنا ان نموت ميتة هادئة وسط الاهل -أي- ان لانموت مقتولين او بحادث او غرقا او حرقا اوغيره. ولعل المثل الذي يقول (نرجى الله في الكريبة) يدعم القول بان الموت وسط الاهل امنية مبتغاة 0 في العالم الاسلامي الشيعي الامنية القلبية هي ان يموت الانسان شهيدا لابل يعتبرون الموت كما الحسين دليلاً على قوة العقيدة ومكرمة ربانية لذلك نبعت العمليات الاستشهادية في العالم الاسلامي من جنوب لبنان وفيما بعد انتقلت لاهل السنة في حماس والجهاد الاسلامي.
مناسبة هذه الرمية هي يبدو لنا ان دعوة اهل السودان بميتة العنقريب قد اصابت كل الرؤساء الذين حكموا السودان، اذ لم نجد رئيسا مات في عملية الصراع على السلطة وفي نفس الوقت لم يمت واحد منهم الا وهو رئيسا سابقا -أي- بعد ان يبتعد عن الحكم ويلزم بيته و(يبقى بتاع فواتح ) ثم يرحل ولعل في هذا موشرات سياسية مهمة كما سنحاول ان نبين فيما بعد.
اظن اول رؤساء السودان الذين رحلوا هو السيد عبدالله خليل فبعد ترؤسه للوزارة ثم تسليمه الحكم للفريق عبود امضى عدة سنوات كمواطن عادي ثم رحل ولم يحاسبه احد على خرقه للدستور وتسليمه الحكم لقادة الجيش و(بالاوامر). اما اول رئيس لوزراء السودان الزعيم الازهري فقد مات في مستشفى الخرطوم على اول ايام مايو التي انقلبت عليه عندما كان رئيسا لمجلس السيادة، وقد نقل للمستشفى من مأتم شقيقه الذي كان قد جاءه من الاعتقال التحفظي. لازمت موت الازهري اشاعة مفادها ان هناك خطأ طبيا تسبب في موته وهو انه قد ركبت له انبوبة اوكسجين كانت فارغة ولكننا لانجزم ان كان ذلك مقصودا ام لا، ولكن المهم في الامر ان حكومة مايو (الحمراء) يومها لم تحسن للازهري في موته فقد اذيع خبر وفاته في الاذاعة بعد تردد وفي نهاية نشرة الاخبار مقرونا بأنه كان مدرسا للرياضيات ورغم ذلك فقد شيعه الشعب من منزله تشييعا يليق بنضاله وجهاده من اجل الاستقلال.
الفريق ابراهيم عبود الذي تنازل عن الحكم اثر ثورة اكتوبر الشعبية لم يعتقل بعد تنازله بل امضى بقية سنوات عمره في منزله بالعمارات والذي اكمل سلفية بنائه من معاشه كضابط في القوات المسلحة وقد رحل وهو شخصية عادية يأكل الطعام ويمشي في الاسواق. وقد شاعت القصة التي تقول انه كان عندما يذهب لسوق الخضار بالخرطوم تحفه مظاهر المحبة ويهتف الجمهور له قائلا (ضيعناك ياعبود وضعنا وراك). بعد عبود استلم رئاسة الوزارة سرالختم الخليفة وامضى عاما انتقاليا وسلم الحكم للاحزاب ثم نزل المعاش وعمل وزيرا ثم سفيرا مع النميري ثم انتقل الى جوار ربه أخيراً اما محمد احمد محجوب والذي ترأس الوزارة لفترتين بعد اكتوبر فقد توفى في فترة مايو بعد عدة سنوات امضاها بين الخرطوم ولندن والف فيها كتابا قيما يجمع بين السيرة الذاتية والقراءة الموضوعية لتجربة السودان الديمقراطية.
آخر رؤساء السودان الراحلين المشير النميري الذي حدثت وفاته يوم السبت الماضي (دور الليلة) وقد شيع من منزله في ودنوباوي، وكان النميري بعد خلعه من الحكم كرئيس امضى عدة سنوات في منفاه في القاهرة ثم عاد للسودان وامضى آخر سنواته كرئيس لحزب تحالف قوى الشعب العاملة وهوحزب متوالي مع المؤتمر الوطني0 على الرغم من ان فترة حكم نميري مات فيها الكثيرون من جراء الصراع على السلطة الا ان النميري لم يحاسب على ماحدث في فترة حكمه وامضى بقية ايامه كمواطن عادي وبمعاش رئيس جمهورية (محترم ) على حد قوله.
رحم الله كل رؤساء السودان السابقين واطال عمر من بقى منهم الصادق وسوار الذهب والجزولي دفع الله وعمر البشير الذي مازال في سدة الحكم. فرحيل كل الذين حكموا (من منازلهم) -أي- بعد خروجهم من السلطة بسنوات وموتهم (ميتة عنقريب) يدل على التسامح في الحياة السياسية السودانية، ويدل على شكل من اشكال التداول للسلطة وان كان متعثرا وغير منتظم وبوسائل غير ديمقراطية. فنظرة فاحصة لكثير من الدول حولنا تؤكد لنا، الحكام فيها من القصر للقبر مباشرة.

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
العدد(22691) بتاريخ6/6/2009)
aalbony@yahoo.com