عبد الجليل سليمان

الضحاكات والضحاكين


[JUSTIFY]
الضحاكات والضحاكين

أما قبل، فـ(الضحاكات) تُطلق مجازاً على النقود، لأن الفلس والفقر يجلبان الغضب والتجهم وانقباض الأسارير، وعلى النقيض من ذلك يفعل الغنى وتوفر المال، حيث يجعل الأسارير مُنبسطة والوجوه ناعمة و(الضحكة) على حواف الشفاه والقهقهة أعلى الحناجر.
ثم إن (الضحاكات) في واقع الأمر هن رهط غير قليل من مذيعات الفضائيات وإذاعات (الأف أم) المستشرية في أثير البلاد بشكل غير مسبوق ودونما حاجة فعلية لهذا الاستشراء المُتسع. وهذا السرب من المذيعات وبعض المذيعين (الضحاكات والضّحاكين) حيث انتشرن (الضحاكات) على نحوٍ يجعلك تعتقد أن استيعابهن في تلك الوظائف (الحساسة) تم وفقاً لكفائتهن غير المسبوقة في إطلاق الضحكات الرنانة و(القهقهات العالية) على الهواء مباشرة دونما دواعٍ موضوعية لذلك، فليست ثمة مفارقات تجعلهن يبدين نواجذهن اللامعة ويشرخن حلاقيمهن الناعمة ويثقبن آذان السامعين أكرمهم الله وإيانا.
وبعد، فليس أولئك هن الأنكى، بل هؤلاء رهط المُنكتين من الرجال والولدان، يشكلون فرقاً يطلقون عليها (جماعات الكوميديا) يمثلون كل عيد ضيوفاً على كاميرات الفضائيات البائسة ويرسلون وابلاً من (النكات) الخالية من الحس والفكاهة، ويعتمدون على المحاكاة والتقليد، وهما ضربان من ضروب الإضحاك الساذجة، يتوسلون إلى ذلك بالسخرية الفجّة من الثقافات المحليَّة فيُقلدون ألسنة البعض بطريقة حمقاء وأساليب كلاسيكية جوفاء، بينما يفغر مُضيفيهم أفواههم ويوسِّعون حدقات أعينهم دلالة على الدهشة وما يلبثون يستغرقون في ضحكات تجعل الشاشة تهتز خجلاً وحياءا.
باستثناء بعض الإشراقات هنا وهناك، ظل مطروح العيد بالفضائيات والإذاعات المحلية كعادته مثيرا للرثاء والحسرة، لقاءات وحوارات رتيبة ومملة مع وجوه مكررة، برامج منوعات (لم تُخْدم) جيداً، هشة المحتوى، متداعية الأركان وسيئة التقديم.
ما لم تسع فضائياتنا في تدبير الحد الأدنى من احترام المشاهد، فإن ما تبقى لها من بضعة مُتابعين ومُشاهدين (بداعي الوطنية وبس) سوف ينفضون عنها، ويهربون منها إلى بدائل أكثر إبداعاً وإبهاراً وجاذبية، وهي متوفرة حد الفيضان وعلى (قفا من يشاهد).
ربما سيكون التخلص من فائض (الضحك) الذي يعم الفضاء السوداني هو الخطوة الأولى نحو أداء أفضل، وبالتالي إنجاز برامج تلفزيونية وإذاعية.. حوارية، إخبارية، ترفيهية ومنوعة (معقولة) وبسقوفٍ أقل ثقوباً مما هي عليه الآن، لكن لا حياة لمن تنادي.!!

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي