الجامعة العربية والجامعة الافريقية

(1)
استضاف الرئيس الأمريكي باراك أوباما زعماء الدول الافريقية في قمة غير مسبوقة في واشنطن هذا الأسبوع، ناقشت قضايا القارة الملحة وآفاق التعاون الامريكي ـ الافريقي. وانتهى اللقاء برصد أكثر من ثلاثين مليار دور لدعم القارة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، مع التركيز على قضايا الصحة والتعليم. ولم ينس اللقاء التطرق إلى قضايا حقوق الإنسان والحكم الرشيد.
(2)
يعتبر عقد القمة في حد ذاته اعترافاً بكينونة القارة الافريقية وهويتها الموحدة، وهي هوية عبرت عن نفسها في حيوية الاتحاد الافريقي، والإجماع على أنه يمثل القارة ويتحدث باسمها، إضافة إلى الحزم الذي اتبعه الاتحاد في التصدي لمشاكل القارة، خاصة في مجال حسم الصراعات والإصرار على أبجديات الحكم الرشيد.
(3)
بالمقابل، لا يتصور أحد أن يدعو أوباما أو غيره الزعماء العرب إلى قمة مماثلة، ببساطة لأنه لا يوجد كيان عربي مماثل. واي محاولة لعقد قمة من هذا النواع ستتحول إلى صراع ديكة، لأن الزعماء العرب لا يفوق كرههم لبعضهم البعض إلا كرههم لشعوبهم، وكره هذه الشعوب لهم. وبالتالي ليست هناك أي فائدة تجنى من لقاء كهذا. وعلى كل فإن الولايات المتحدة تحقق مكاسب أكبر من تنافس القادة على إرضائها والتزلف لإسرائيل.
(4)
لعل الملفت أن معظم الزعماء العرب تغيبوا أو غيبوا عن القمة، رغم وجود سبع دول عربية أعضاء في الاتحاد الافريقي. السودان كان أحد أربع دول (مع زيمبابوي واريتريا وافريقيا الوسطى) لم تتم دعوتها أساساً. مصر أيضاً لم تدع إلا في اللحظة الأخيرة بسبب تعليق عضويتها في الاتحاد الافريقي، فتغيب السيسي. ملك المغرب تغيب كذلك، بينما لم يكن بإمكان الرئيس الجزائري حضور القمة حتى لو كانت في الجزائر العاصمة.
(5)
لعل حالة الرئيس الجزائري ترمز إلى وضع الجامعة العربية المتأرجح بين الحياة والموت، وغيابها التام عن الساحة في أيام الحرب الآثمة على غزة. بل إن الرئيس الجزائري المعتل الصحة كان أفضل حالاً من جامعة زملائه. فالرئيس الجزائري نجح على الأقل في مخاطبة شعبه لمدة أربع عشرة ثانية خلال العامين الماضيين، بينما لم ينطق مسؤول في الجامعة العربية بحرف واحد خلال عدوان إسرائيل على غزة.
(6)
في ظاهر الأمر، فإن لقاء واشنطن قصد منه تقديم الدعم الأمريكي لافريقيا، وانتهاز فرصة وجود رئيس افريقي الأصل لتمتين علاقات الجانبين. ولكن واقع الأمر هو أن الولايات المتحدة تريد أن تستثمر في نهضة افريقيا التي توجد فيها أسرع ست اقتصادات نمواً في العالم، وأمامها مستقبل اقتصادي زاهر. ويظهر هذا بوضوح في أن جل ما قدم لافريقيا من «دعم» خلال هذه القمة لم يزد كثيراً على عروض استثمار من شركات أمريكية ودعم أمريكي لهذه الشركات.
(7)
يذكر هذا بفارق آخر مهم بين المجموعة العربية ورصيفتها الافريقية. فالأولى كما أكدت تقارير التنمية الإنسانية المتتالية «غنية بالموارد فقيرة تنموياً»، وتواجه العديد من دولها أزمات اقتصادية خانقة، ويكاد التعاون بينها يكون معدوماً، إلا في الإثم والعدوان. فقد تلقت كل من مصر وسوريا دعماً هائلاً من مصادر عربية ودولية وإقليمية، ولكنه عون لقتل الشعوب وتدمير البلاد، وليس للبناء والتنمية، للأسف. لهذا لا يوجد اهتمام دولي بدعم المجموعة العربية، لأنها مجمتعة أغنى من أن تدعم، وأفقر من أن تكون شريكاً، وعموماً قضية خاسرة اقتصادياً، بسبب مشاكلها وغياب القيادة الرشيدة.
(8)
المسار الذي تنتهجه افريقيا حالياً بدأ في مطلع التسعينات بمبادرة من الرئيس النيجيري السابق ألوشون أوباسانجو أطلقت عبر مؤتمر عقد في كمبالا في عام 1990، استلهم مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي الذي انعقد في هلسنكي في 1975. وقد ركزت المبادرة على القطيعة مع نهج منظمة الوحدة الافريقية في تقديم مصالح الأنظمة على مصالح الشعوب. وقد طالب أوباسانجو المنظمة بإعطاء أولوية لحقوق الإنسان والحكم الرشيد والتعاون الاقتصادي لمصلحة الشعوب، رافضاً مبدأ الحصانة للأنظمة بحجة عدم التدخل في شؤون الدول.
(9)
كما هو متوقع، عارضت قيادة منظمة الوحدة الافريقية، وبالطبع معظم الدول، هذا المقترح، وحاولت الالتفاف عليه بإصلاحات شكلية. ولكن تحولات مهمة، أهمها الدعم الليبي المالي للمشروع، ثم عودة أوباسانجو إلى السلطة رئيساً لنيجيريا في عام 1999، والتحولات الدولية، أدى في نهاية المطاف إلى تبني المشروع. وقد كان من ثماره تطورات مهمة على الأصعدة السياسية والاقتصادية وحفظ السلام ودعم المسار الديمقراطي. وتعتبر القمة الافريقية ـ الأمريكية تتويجاً لهذا التطور واعترافاً به.
(10)
ما يزال أمام القارة الافريقية أشواط طويلة تقطعها لتحقيق التنمية الشاملة والاستقرار السياسي. وقد وجهت انتقادات حادة من بعض الأوساط الأمريكية للقمة بسبب حضور تسعة زعماء لهم سجل قبيح في مجال حقوق الإنسان (إضافة بالطبع إلى من حضر من الزعماء العرب أو ممثليهم). ولكن يحق لكل افريقي أن يفتخر بما تحقق من إنجازات، وأن يتمنى لو أن الجامعة العربية خطت كذلك أولى خطواتها في هذا الاتجاه، ولو بعد حين.
[/JUSTIFY][/SIZE]
د/ عبد الوهاب الأفندي
صحيفة القدس العربي
[email]awahab40@hotmail.com[/email]


