عبد الجليل سليمان

تحليل سياسي


[JUSTIFY]
تحليل سياسي

يعاني كُتّاب الرأي والمحللون السياسيون الذين ينهضون إلى الشؤون الداخلية، أشد المعاناة، إذ أن سيولة الأوضاع برمتها وفي كل مناحيها تجعل إخضاعها لتحليل سياسي حصيف أمراً يشبه مُنازعة الغريق للحظة الموت الحاسمة. لذلك يبدو الهروب بالكتابة – إلى ما دون الفضاءات الحيوية كالشؤون الاقتصادية والسياسية والأمنية، حالة مُطلوبة وضرورية، حالة تُتاخم لحظة إحماء اللاعبين البُدلاء على خط التماس.

وهكذا، وإن بدا تجنب الخوض في المجال الحيوي أشبه بلحظة غفلة، لكنه في الحقيقية (يقظة) مختبئة، إلى حين طلب الإحماء أو إلى حين انفراجة محتملة، إنها (قيلولة) لنهضة فاعلة.

ونترك في (غفوتنا) الكتابة عن زيارة مشار، وعن غلاء الأسعار، وعن اتفاق المهدي والثورية ونظيره من لدن (7 +7)، وكارثة الأمطار والسيول السنوية، واحتمالات الضياع المتفاقمة، والموت اليومي على (نوتة) موسيقى الحوار الوطني وإيقاعات المفاوضات الصاخبة، لندخل في ثقوب جديدة تبدو للوهلة الأولى أكثر ضيقاً من تلك الظاهرة على (شملة بت كنيز)، لكننا ما إن نقترب منها حتى نفجع باتساعها.

وفتق مواقف المواصلات في العاصمة يتسع الآن على راتقه التقليدي، إلى حد أنه حين يعجز عن حياكته، يشترى أسمالاً بديلة (ملابس مستعملة)، ويبيعها للزبائن بذات الادعاء القديم، على أنها (ماركات عالمية).

الخبر يقول: إن محلية الخرطوم أعلنت عن انطلاق تنفيذ محطة (موقف) مواصلات، بمواصفات عالمية بديلاً لموقف (كركر) الماثل، يرافقه خبر آخر يدعي أن محلية الخرطوم فعلت وفعلت وأنجزت وأنجزت، حيث لم تعد هنالك ملاريا، ولم تعد هنالك ميادين عامة ممتلئة بالمياه الراكدة، إلى آخر المُنجزات السحرية التي لا تُرى بالعين المجردة.

وخبر آخر يمثل (ظهيراً إستراتيجياً)، للثقوب الخرطومية، فحين ظل (شرق السودان) ولسنوات خلت، ناحية آمنة، دق النائب عن ولاية كسلا بمجلس الولايات جرس الإنذار، إذ أخبر الصحف، أن ثمة (فتنة) بحسب وصفه للأمر، تدار في الشرق الآمن، إذ كشف عن ما أسماه تحريضاً ممنهجاً ينتظم وسائل التواصل الاجتماعي يدعو أبناء الرشايدة للخروج وحمل السلاح احتجاجاً على ما اعتبروه ظلماً حاق بهم، وطالب النائب الجهات المختصة بمعالجة مطالب الرشايدة التنموية والخدمية واعتبرها حقوقاً موضوعية.

في مقابل ذلك الخبر، لوّحت نيابة (جرائم المعلوماتية) بأنها ستحجب مواقع التواصل إذا ما دعت الضرورة، جاء هذا (التلويح) على خلفية انتشار تلك الجرائم التي تترواح ما بين الترويج للمخدرات وللإتجار بالبشر، والابتزاز ونشر الصور الفاضحة.

وبإدراج كل تلك الأخبار في نص واحد، ومن ثم قراءتها في لوح واحد، فإنك ستدهش حين تكتشف أن ليس هنالك حل جدي لأيٍّ منها، فلن يكون موقف المواصلات الجديد بمواصفات عالمية، ولا المحلية قضت على المياه الراكدة ولا سلطاتها الصحية على الملاريا، ولا مطالب الرشايدة ستكون موضع تنفيذ، ولا مواقع التواصل ستُحجب.

هكذا دونما حجج، يستطيع أي كاتب رأي أو محلل سياسي أن يكتب غافياً في قيلولته معتمداً على التجربة والخبرة، تحليلاً سياسياً يستشرف المستقبل ويتوقع ما سيحدث. وسيحدث ما توقعه حتماً.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي