إبراهيم الشيخ والآخرون.. أطلقوهم أو حاكموهم!

دعونا أولاً – منعاً لـ«اللجاج» والمحاججات – نضع الدستور خلف ظهورنا، ثم نقفز فوق وثيقة الحقوق كما يقفز حرامية المنازل فوق الحوائط، ثم بعد ذلك نقتفي أثر أي وثيقة أو أي عهد يفرد نصوصاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ثم نحزمها حزم السلم و«نبلّها» جميعها ونشرب «مويتها» دفعة واحدة وفي كرعةٍ واحدة «نتدشى» بعدها ونحمد الله.
وبعد أن نطمئن على غياب كل هذه الوثائق التي لا تجيز الاعتقال التحفظي وتعتبره إذا ما وقع يتعارض معها ويهدر كل الحقوق والحريات التي كفلتها للإنسان، بعد هذا الاطمئنان، دعونا ثانياً إن كان بالحق أو بالباطل، نضع المواد التي تجيز وتبيح الاعتقال التحفظي نصب أعيننا، نتعهدها بالعناية والرعاية، ونبصم بالعشرة على جواز هذا النوع من الاعتقالات، لا نعتبرها شراً لا بد منه، بل نؤكد خيريتها في كل الأحوال، وبعد ذلك، بعد أن تأخذ المواد التي تجيز الاعتقال التحفظي موقعها من الاحترام والاعتراف، دعونا ثالثاً، نستدعي قضية الحبيس إبراهيم الشيخ وآخرين ظلوا رهن الاعتقال التحفظي لأكثر من شهرين في حراسات بائسة، مما تسبب في إصابة بعضهم بأمراض ومعاناة صحية بالغة، وحُرموا حتى من تلقي العلاج، منهم إبراهيم الشيخ الذي أُعيد للحبس وهو ينزف، والصحافي حسن إسحق، والمؤسف والمؤلم أنه رغم مرور كل هذه المدة ، إلا أن الشيخ ومن معه ما زالوا محبوسين تحت بند الاعتقال التحفظي، في الوقت الذي يكون فيه أي مجرم محكوم بشهرين سجن قد قضى عقوبته وخرج، بينما لا يدري ذوو الشيخ وزملاؤه المعتقلون متى يُحاكمون أو متى يخرجون، وهذه حالة تجعل من الاعتقال التحفظي أكثر قساوةً من عقوبة السجن الصريح الذي يصدر بمقتضى حكم من محكمة مختصة.
الاعتقال التحفظي وخاصةً لأسباب سياسية، ذاقته وعانت منه كل ألوان الطيف السياسي على فترات وعهود مختلفة، وكلها تدرك قساوته وبشاعته وخاصةً الإسلاميين والشيوعيين الذين نالوا منه النصيب الأكبر، ليس هناك من لم يستبشع عمليات الاعتقال التحفظي، وليس هناك من لم يبرع في اتخاذ التدابير المنجية منه، والكل يدرك براعة الشيوعيين في النزول تحت الأرض، وفنون الإسلاميين في حلاقة اللحى وتغيير الملامح والتخفي في منازل من ليسوا موضع شبهة، والمؤكد أن ذلك لم يكن يتم بدواعي الخوف والجبن، وإنما لأن الاعتقال ما هو إلا سجن تحكمي تفرضه سلطة غير قضائية على مواطن لم يرتكب جريمة معرّفة سلفاً في القانون، كما يعرّفه القانونيون، وهو بهذا المعنى ما هو إلا إهدار لحرية الإنسان وتعطيله في جسده ونفسه وعقله وإبداعه وعواطفه. ومن هنا فإن الاعتقال التحفظي يصبح عقوبة تماثل عقوبة السجن تماماً رغم أنها لم تصدر بحكم قضائي بعد ثبوت وقوع المخالفة أو الجريمة.
لسنا هنا لمناقشة قضية اعتقال إبراهيم ومن معه، ولسنا بصدد فتح ملف الحريات، ولكن لنسأل سؤالاً واحداً فقط هو: ألم تكن مدة ستين يوماً بلياليها كافية لإجراء التحقيقات والتحريات اللازمة التي يتقرر على ضوئها أحد أمرين، إما الذهاب بالقضية إلى محكمة قضائية أو إطلاق سراح المعتقلين، لا نعتقد، أنها لم تكن كافية، وحتى بافتراض أنها ليست كافية، فذلك أيضاً بطء في الإجراءات يهدر حق الإسراع لإحقاق الحق وإرساء العدالة.
[/JUSTIFY][/SIZE]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي
