حيدر المكاشفي

رغيفة لكل جائع

[SIZE=5][JUSTIFY][CENTER][B] رغيفة لكل جائع [/B][/CENTER]

من القصص التي تصلح للاعتبار خاصة في أزمنة الفقر والمسغبة والضوائق والكوارث، قيل أن رجلاً عابداً متبتلاً عبد الله سبعين سنة كاملة تفرغ فيها للصلاة والصيام والقيام والعبادة، إلى أن جاء ذاك اليوم الذي راود فيه امرأة فاتنة الجمال أوقعته في المعصية لمدة سبع ليال، بعدها استيقظ ضميره وعزم على التوبة، فكان كلما مشى خطوة سجد سجدة، حتى قادته خطاه إلى مجموعة مساكين كان عددهم سبعة، وكان هناك فاعل خير يأتيهم كل يوم ويوزع عليهم سبعة أرغفة على عددهم، وحينما وصل عندهم العابد التائب كان متعباً تعباً شديداً وجائعاً جداً، وكعادته جاء فاعل الخير ليوزع عليهم السبع أرغفة، ولكن الرجل العابد خطف رغيفاً فصار هناك مسكيناً لم يأخذ رغيفاً، وكان جائعاً جداً. وفي الوقت نفسه كان الرجل العابد جائعاً مثله، فلم يكن من العابد إلا أن تنازل له عن الرغيف ثم سقط ميتاً. قيل إن السبعين سنة عبادة وضعت في كفة والسبع ليال خطيئة وضعت في الكفة الأخرى، فرجحت ليالي الخطيئة، ثم وزنت السبع ليال خطيئة بالرغيف فرجحت كفة الرغيف.

الشاهد في هذه القصة والدرس المستفاد منها، أن إطعام الجائع وإغاثة المنكوب والمكروب خاصة في أحوال الجوائح والضوائق والأزمات والكوارث، كالتي يعيشها الآن بعضُ مواطنينا بما فعلته بهم السيول والأمطار، مقدم على ما عداه من أشكال العبادة الأخرى، مثل الذي فعله شباب نفير في الموسم الماضي وغيرهم من المبادرين لإغاثة المنكوبين من غير التنظيمات والأجهزة الرسمية، ولا أدري لماذا اختفت هذه المبادرات هذا الموسم، هل بسبب ما لاقوه من عقبات ومتاريس أحبطتهم وأزهدتهم في فعل الخير، أم ماذا هناك؟. المهم أنني من بين هذا الإحباط عثرت على تجربة فريدة وفردية جديرة بالإشارة إليها، وقمينة بالثناء عليها نتمنى لها التوسع والاستمرار، وهي تلك المبادرة التي تصدى لها أحد أبناء مدينة الدامر حاضرة نهر النيل من المهمومين بالقضايا العامة المحلية والوطنية، هو الأخ مجذوب مصطفى وهو بالمناسبة ابن أخت علمنا العلامة البروف عبدالله الطيب طيب الله ثراه، هم مجذوب واهتمامه بمعاناة أهله في دامر المجذوب جعل قريحته الشاعرية تتفتق عن فكرة ومبادرة ألمعية، فكان أن جمع عدداً من الكراتين ذات السعات الكبيرة وكتب على كل منها عبارة تقرأ (رغيفة لكل جائع) وعرف مبادرته على أنها ليست سياسية ولا حزبية ولا طائفية، والفئات المستهدفة هي السجون والحراسات والخلاوى والأسر المتعففة، ووزع هذه الكراتين الفارغة على عدد من مخابز المدينة، وكانت نتيجة اليوم الأول مذهلة وفرت حصيلة كبيرة جداً من الأرغفة استطاع بجهده الذاتي أن يوزعها على الفئات التي حددها، شجعه ذلك على الاستمرار والمبادرة تدخل الآن أسبوعها الثاني. صحيح أنه كالعادة واجه بعض العقبات من بعض الجهات الرسمية ولكنه استطاع تجاوزها.

قال أحد المظاليم سرقت رغيفاً فحاكموني، وقال القضاة بفخر طبقنا عليك القانون!! والآن أصبحت بلا فخر جائع ومسجون سابق.. لا هم أسكتوا جوعي ولا هم ساعدوني على السير في طريق كسب لقمة العيش الحلال!! أنتم تطبقون القانون على الجياع والعراة والفقراء. يا ليتكم طبقتموه على من سرق قوتي وقوت وطني ليطعمكم يا ظلمة.

[/JUSTIFY][/SIZE]

بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي