الضوء الشارد !!

*صبيحة ذبح جارنا المهندس متوكل – فيما عُرفت بجريمة المعمورة – فوجئت بمدير شرطة ولاية الخرطوم (شخصياً) على رأس الفريق الشرطي الذي هُرع إلى مسرح الحادث..
*ودعاني اللواء – آنذاك – عمر جعفر إلى التجول برفقته على مسرح الجريمة لأشهد أسرع عملية قبض على قاتل..
*فقد أشار نحو صبي زائغ النظرات يجلس لصق سياج المنزل – من الخارج – وصاح آمراً : (أرفعوا الولد ده!)..
*فإذا بـ(الولد ده) هو القاتل الذي جعل ضوء الحياة يشرد من عيني المهندس خلال مشاهدته مسلسل (الضوء الشارد)..
*وكاتب هذه السطور حين كان (ولداً) – في بداية حياته المهنية – حدثت جريمة اختفاء مستند لُيقبض على نحو عشرين موظفاً دون ان يكون من بينهم الفاعل الحقيقي..
*وبـ(شلاقة) كاد أن يدفع ثمنها غالياً صاحب هذه الزاوية ظن أنه سيسدي خدمة للضابط المكلف بالقضية – لا داعي لذكر اسمه – إن هو نبهه إلى (صندوق المستندات) الذي اختفت منه الورقة المذكورة..
*فكانت النتيجة أن صاح الضابط المشار إليه : ( أرفعوا الولد ده)..
*ولولا ذكاء وكيل النيابة – وفطنته – لـ(لبث في السجن بضع سنين !) ..
*فالولد الأول كان مجرماً ، والثاني بريئاً ، أما (ولد ده) – من غير تعريف – فهو المساعد الرئاسي جعفر الصادق..
*ورغم أن التوصيف هذا أطلقه صاحب هذه الزاوية على (جعفر الغائب !)- إثر واحدة من تصريحاته الخطيرة- إلا أن بعض معلقي (الراكوبة) صاروا يصفون به الكاتب نفسه أحياناً من باب المجاملة..
*وللتفرقة بين مفردتي (ولد) و(ولد ده) نقول إن الأولى تُطلق على المتسرع – وإن كان كبيراً – والثانية على السريع..
*فعمر جعفر كان سريعاً ، والضابط الثاني كان متسرعاً ، و الثالث متسرعٌ دوماً منذ عبارته الفضيحة (شمال كردفان و النيل الأبيض!)..
*والتسرع الممقوت – دون الإسراع المرغوب – سمة مميزة لكثير من أنظمة عالمنا الثالث (غير الديمقراطي !)..
*فصاحب القرار متسرع ، ومن بيده (سلطات ما) متسرع ،ولاعب الكرة أمام المرمى متسرع، والمطرب الناشئ – من أجل بلوغ الشهرة – متسرع..
*وكل متسرع من هؤلاء يتعجل سماع صيحة الإعجاب (ولد ده) ليسمع عوضاً عنها – في الغالب – عبارة الاستنكار (ده إيه يا ولد ؟!)..
*و(أخطر) أنواع التسرع ذاك الذي يكون من تلقاء من يحمل – بصفة رسمية – أداة من أدوات (الخطر !)..
*فحياة الأبرياء – في الحالة هذه – مهددة بالخطر مثلها مثل حياة (الأشقياء) تماماً..
*ودولة أفريقية اشتهرت بصفة التسرع (الرسمي) حدث فيها ما لا يزال أفراد شعبها يضحكون له إلى اليوم وهم (يبكون!)..
*فقد تسرع أحد الذين حظوا بترقية هناك في نشر إعلان صحفي يُظهر فرحته بالترقية هذه..
*فكانت بعض (علامات) الرتبة السابقة مجاورة لعلامات الرتبة الحالية في مشهد (طفولي)..
*ورغم كبر سنه – الفرحان هذا – سمع عبارة (ده إيه يا ولد؟!) بدلاً من (ولد ده)..
*وتظل بلادنا بخير ما دام فيها (سريعون) – مثل عمر جعفر – لا (متسرعون!)..
*ما دام فيها من يقبضون على المتسببين في (شرود الضوء) من أعين الأبرياء وهم يصيحون (أرفعوا الولد ده !)..
*لا الذين يجعلون ضوء البراءة – أو حتى الحياة – يشرد من عيون (أطفال مرفوعين!) ..
*ثم يسهرون- وأرجلهم مرفوعة – مع قصص (الضوء الشارد !!!).
[/SIZE][/JUSTIFY]
بالمنطق – صلاح الدين عووضة
صحيفة الأهرام اليوم
