لعناية الفقراء المُرفَّهين
حالة الشعب السوداني هي أصعب حالات الشعوب أمام عمليات قياس المستوى الاقتصادي التي تعتمد على المظهر الخارجي لحياة المواطن.
بمعنى أنك لا تستطيع أن تجزم بتحديد المستوى الاقتصادي للشخص أو العائلة السودانية من خلال أسلوب حياتها الظاهري.. لأنه في الغالب لا يعطي النتيجة الحقيقية وهذا هو السبب في تكرار ملاحظات الناس على حال السودانيين في ظل الضغوط الاقتصادية والمعيشية الموجودة الآن، حيث تجد مفارقات رهيبة في حياة الكثير من السودانيين بين المستوى الحقيقي لدخل الفرد أو العائلة وبين أولويات وبنود صرفها.
فعلى سبيل المثال تجد نسبة عالية من الطلاب والعمال وصغار الموظفين وأبنائهم يقتنون أفخم أنواع الهواتف الجوالة الذكية عالية الثمن ويصرفون ربع أو نصف ميزانيات دخلهم المحدود في عمليات الاتصالات والإنترنت.
كذلك يلقي الكثير من أرباب الأسر والعوائل المتوسطة الدخل بأعباء كبيرة على أسرهم الصغيرة لتوفير ثمن سيارة خاصة لا يتناسب لا ثمنها العالي ولا كلفة حركتها ووقودها مع مستوى دخل الأسرة لكن رب الأسرة يصر على وضع بند السيارة وميزانية وقودها على رأس بنود الصرف في ميزانيته المحدودة وعلى حساب كل بنود الصرف وأولوياته الأخرى..
المواطن في مصر القريبة هذه أو المواطن في دول الغرب تجده أكثر واقعية في حياته وأكثر دقة في ترتيب أولوياته وأولويات صرفه وتوزيع ميزانيته بشكل صحيح ودقيق يجعلك تتعرف على مستواه المعيشي بسهولة شديدة..
هذه القضية ترتبط صراحة بثقافة المجتمع.. ثقافته التقليدية التي لم نتمكن من التحرر من قيودها.. (إتدين شان تتبين)..!
وثقافة الظهور بالقناع الذي يمنح الآخرين انطباعاً بأنك لست أقل منهم.. ثقافة مظاهر وظهور وأشكال جميلة وباهرة بأي حال وبأي وسيلة وعلى حساب كل شيء..
المواطن المصري مثلا ًأكثر واقعية لأنك من السهل أن تحدد مستواه المعيشي ومستوى دخله من خلال مظهره الخارجي وملبسه ونوع هاتفه ونوع سيارته وشكل حياته الظاهر لك وللجميع.. أما السوداني فإنك تحتاج لحس استخباري عال ومهارات أمنية ومخابراتية بمستوى قدرات جهاز السي آي أيه كي تعرفه على حقيقته..!
مواطن (بطنو غريقة) كما يقولون لكنه يحتبس في داخله حرارة المعاناة ويضغط على نفسه كثيراً جداً كي يبدو بالمظهر الذي يريده الآخرون.. يتمزق من الداخل كي يبدو مبتسماً..!
لست طبيباً ولا متخصصاً في الجوانب النفسية لكنني أدعو ذوي الاختصاص إلى البحث في تزايد نسب الإصابة بأمراض عضوية في السودان تتسبب فيها الضغوط ويتسبب فيها الكتمان ويتسبب فيها (الإستريس) العالي، وبحسب علمي هناك أنواع من السرطانات تكون خلاياها موجودة وخاملة في جسم الإنسان لكنها تظهر وتنتشر في الجسم بسبب الضغط النفسي العالي..
فهل نحتجز حقيقتنا ونحتجز واقعنا الحقيقي في زنازين سرية مغلقة كي نظهر بالمظهر المزوَّر هذا؟.. وكيف ننفك ونحرر أنفسنا من هذه الورطة..؟!
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
[/JUSTIFY]جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي