جعفر عباس

مقال قد يهم جيل الشباب

[JUSTIFY]
مقال قد يهم جيل الشباب

كان الراتب الذي أتقاضاه من وزارة التربية نحو 50 جنيها في الشهر عندما فزت بوظيفة مترجم وضابط إعلام في السفارة البريطانية في الخرطوم، براتب 95 جنيها، وهذه فرصة لدرس غير مباشر لدارسي اللغات الأجنبية والمواد الإنسانية/ الأدبية الذين يحلمون بأن يصبحوا مترجمين أو إعلاميين. دعوني أحكي لكم عن تجربتي في هذين المجالين باختصار شديد، فعندما فزت بوظيفة مترجم / ضابط إعلام في السفارة البريطانية في الخرطوم كانت خبرتي في المجالين صفرا، وطوال مسيرتي الأكاديمية كانت الإنجليزية مادتي المفضلة، وكنت متفوقا فيها جدا بالمعايير الأكاديمية، ثم عشقت اللغة العربية، وإن كنت شديد النفور من قواعد النحو فيها، ولكن بعد دخولي الحياة العملية، اكتشفت أن إنجليزية المدارس والجامعة مجرد خميرة تساعد على تقوية الإلمام بها لاحقا، وحدث ذلك عندما شرعت في شراء وقراءة مجلات بريطانية وأمريكية، وكانت بالسودان مجلة إنجليزية (سوداناو) رصينة وغنية بالتقارير والمقالات حسنة السبك والصوغ، وهكذا اكتسبت ذخيرة من المفردات والمصطلحات الإنجليزية المتعلقة بحياة الناس وهمومهم، ووجدت نفسي أيضا ملما بالكثير من الشؤون الدولية، ولهذا لم يكن النجاح في اختبار الترجمة وحده هو الذي أهّلني للفوز بوظيفة ضابط إعلام/ مترجم بالسفارة البريطانية، بل أيضا كون أني أثبتّ خلال الانترفيو إلمامي بمجريات الأمور على الساحة الدولية.
والشاهد هو أن الحصول على بكالوريوس أو حتى ماجستير في اللغة الإنجليزية وأنت ناطق بالعربية، لن يضمن لك الفوز بوظيفة مترجم حتى في مكتب استقدام عمالة أجنبية، و«عندي بكالوريوس إعلام مع مرتبة أو مخدة الشرف» لن يجعل منك صحفيا، فالرّك والتعويل على التحصيل الشخصي الفردي، ولا أقول هذا من باب التباهي المستتر، بل لتنبيه خريجي الكليات الأدبية إلى أن معظم مواد التخصص في تلك الكليات لا يؤهلهم لوظائف محددة، كما هو حال دارسي العلوم الطبيعية النظرية والتطبيقية، ولكن في الوقت نفسه عليهم أن يتذكروا أن معظم قادة عالمنا المعاصر من حملة المؤهلات من الكليات «الأدبية» (يعني عباقرة الرياضيات والفيزياء والكيمياء إلخ، يخترعون ويكتشفون على راحتهم، ولكن الشعوب لن تثق بهم كقادة!)، ونالوا تلك المراتب بـ «العصامية» وليس بالشهادات، وباختصار: تريد أن تصبح مترجما عليك أن تكون على علم ولو بأبجديات مختلف شؤون الحياة، فتكون فهمان ولو شوية تحابيش عن الاقتصاد والقانون والصحة العامة والحرب والسلم والعادات (مصطلحات المحاسبة ستجعلك تفقد الثقة بالنفس فلا تتعب نفسك وتحاول مجرد فهمها، بل انتظر حتى تصبح مترجما ثم استخدم الهاتف كدكشنري لتسأل المحاسبين هنا وهناك عن مدلولات لغتهم العجيبة)، وإذا أردت أن تصبح إعلاميا فتذكّر أن الكلمة مشتقة من «العلم والتعلم والتعليم»، وبالتالي عليك أن تكون أولا عالما بدرجة معقولة بأحوال بلدك، ثم أحوال العالم وعلى نحو الخصوص بالقضايا والمناطق الساخنة، ولست أتباهى وأنا أقول مجددا إن الإلمام بالشؤون الدولية والإنجليزية والعربية، هو الذي جعلني أفوز بوظيفة سكرتير ثالث في وزارة الخارجية السودانية (طفشت منها عندما قرروا إلحاقنا بمعهد التنمية الإدارية لـ6 أشهر، وكنت خلاص قرفت من الدراسة والاختبارات) وعوضني الله خيرا بأن فزت بوظيفة ضابط إعلام/ مترجم في السفارة البريطانية بدرجة سكرتير ثالث الدبلوماسية.
والشاهد هو أنني تركت الجامعة مسلحا بشهادة لا تؤهلني لوظيفة محددة، فاخترت التدريس عن رغبة، وإلى يومنا هذا ليس لدي أي هواية ولا أملك أي مهارات يدوية، وبالتالي لا أعرف وسيلة لملء وقت الفراغ -إذا وُجِد- سوى القراءة، وكلما واصل الإنسان الاطلاع أحس بأنه يجهل أمورا كثيرة، وأرجو أن يكون في مقالي هذا ما يجعل جيل الشباب يدرك أن شهادات زمانهم هذا بلا قيمة في سوق العمل، وأن التعليم الحقيقي يتطلب مبادرات فردية شخصية.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]