مصطفى أبو العزائم

أذى الآخرين وصخرة الصد

[JUSTIFY]
أذى الآخرين وصخرة الصد

شكا إلينا صديق بأنه يعاني من ظلم الآخرين، وذهب إلى أبعد من ذلك، فقال إنه محسود، وأنه وأنه وأنه، وسألنا نحن مجموعة من أصدقائه عن الموقف الذي يجب ان يتخذه تجاه الغير المؤذي.. واجمع كل من كان حاضراً على شيء واحد يقيه شر الأذى، وهو (التوكل على الله) وأهداه أحدنا قول الإمام ابن القيم- رحمه الله- في تفسير قول الله تعالى: «ومن يتوكل على الله فهو حسبه».

كثير من الناس يعاني مما يعاني منه الشاكي، وبعضهم تستبد به الظنون والريب، فتدخله في متاهات بعيدة عن المنطق الحق، قريبة من زلزلة الشيطان التي يستهدف بها النفوس المؤمنة، لذلك وفي هذا اليوم المبارك (الجمعة) وجدنا أن من أعظم الهدايا الإيمانية، التي يمكن أن تقدم للآخرين، قول الإمام إبن القيم- رحمه الله- وتفسيره للآية.. ونأمل أن تكون هدية مقبولة ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الأعمال، وأن يدخلنا مدخل صدق وأن يخرجنا مخرج صدق، وأن يغفر لنا زلاتنا وخطايانا، ونسأله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.. آمين.

ماذا قال الامام بن القيم في قول الله تعالى (وَمَن يَتَوَكَّل عَلىَ اللهِ فَهُوَ حْسُبُه)؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله ربِ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أله وصحابه أجمعين

(وَمَن يَتَوَكَّل عَلىَ اللهِ فَهُوَ حْسُبُه)

قال ابن القيم رحمه الله تعالى (والتوكُّلُ من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد مالا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وهو من أقوى الأسباب في ذلك ؛ فإنَّ الله حسبه:أي كافيه، ومَن كان الله كافيَهُ وواقِيَهُ فلا مَطمَعَ فيه لعدوِّه، ولا يضره إلاَّ أذى لابدَّ منه، كالحرّ والبرد والجوع و العطش، وأما أن يضرهُ بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدًا وفرقٌ بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاءً له- وهو في الحقيقة إحسانُ إليه وإضرار بنفسه- وبين الضّرر الذي يُتشفَّى به منه.

قال بعض السلف: جَعَلَ الله تعالى لكلِّ عمل جزاء من جنسه وجَعَل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده فقال (وَمَن يَتَوَكَّل عَلىَ اللهِ فَهُوَ حْسُبُه) ولم يقل نؤته كذا وكذا من الأجر، كما قال في الأعمال، بل جعل نفسَه سبحانه كافيً عبدِه المتوكَّلِ عليه وحسبه وواقيه فلو توكَّل العبد على الله تعالى حقَّ توكُّله و كادته السموات والأرض ومَن فيهنَّ لجعَلَ له مخرجًا من ذلك وكفاه ونَصَره.

وربط الكفاية بالتوكل من ربط الأسباب بمسبباتها فالله عز وجل كافي من يثق به ويحسن التوكل عليه ويحقق الالتجاء إليه في نوائبه ومهماته، وكلما كان العبد حسنَ الظنّ بالله عظيم الرجاء فيما عنده صادق التوكل عليه فإن الله لا يخيب أمله فيه البتة.

ولايستبطيء العبد كفاية الله له إذا بذل أسبابها ،فأنَّ الله بالغ أمره في الوقت الذي قدره له، ولذا قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّل عَلىَ اللهِ فَهُوَ حْسُبُه إِنَّ اللهَ بَلِغُ أمرِه قد جَعَل اللهُ لِكُل شَيءٍ قَدرًا) الطلاق3

قال ابن القيم رحمه الله تعالى فلما ذكر كفايته للمتوكُّل فعقبه بقوله (قد جَعَل اللهُ لِكُل شَيءٍ قَدرًا) أي وقتاً لا يتعدَّاه فهو يسوقه إلى وقته الذي قدَّره له فلا يستعجل المتوكل ويقول :قد توكَّلتُ ودعوتُ فلم أرَ شيئًا ولم تحصل لي الكفاية، فالله بالغُ أمرِه في وقته الذي قدَّره له.

وفي مثل هذا المقام كثير ما يتنازل بعض الناس عن مثل هذه المعاني الجليلة إلى استخذاءٍ للمخلوقين وتذلّل لهم وانكسار بين أيديهم لينال بعض مآربه ويحصّل بعض مطامعه، غير مبالٍ بكون ذلك على حساب دينه ونيل رضا ربه عز وجل فيخسر كفاية الله لأوليائه.

ومن اشتغل بالله عن نفسه كفاه الله نفسه ، ومن اشتغل بالله عن الناس كفاه الله مؤونة الناس ومن اشتغل بنفسه عن الله وكله الله إلى نفسه، ومن اشتغل بالناس عن الله وكله الله إليهم.

روى الترمذي في جامعه أن معاوية رضي الله عنه كتب إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن اكتبي إليّ كتاباً توصيني فيه ولا تكثري عليّ فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية سلامُ عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- (مَنْ التمسَ رَضاءَ الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكلهُ الله إلى الناس، والسلام عليك).

ومما يحقق للعبد الّسلامة في هذا الباب أن يجعل الدّنيا مبلغ علمه وأكبر همه وفي الحديث (من جعل الهموم همًّا واحدًا همَّ المعاد كفاهُ الله همَّّ دنياه، ومن تشعَّبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أيّ أوديته هلك)رواه ابن ماجه.

وروى ابن أبي شيبة عن أبي عون قال (كان أهل الخير إذا التقَوْا يوصي بعضهم بعضاً بثلاث، وإذا غابوا كتب بعضهم إلى بعض بثلاث- من عمل لآخرته كفاه الله دنياه، ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله الناس ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته).

… وجمعة مباركة
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]