التأليب ضد التجار.. فتنة
الجيوب خالية واحتياجات المعيشة مستحيلة على البسطاء وحتى على أولئك المصنفين ضمن ما كانت تسمى بشريحة (متوسطي الدخل).. فقد خربت سيول الغلاء جيوبهم وجرفتهم الضغوط إلى الوصف بأنهم بسطاء بعد أن أخلى قدامى البسطاء لهم تلك الخانة وانتقلوا بدورهم وبشكل جماعي إلى خانة المعدمين، أما المعدمون القدامى فلا أكاد أسمع لهم صوتاً ولا أدري هل ترونهم أم اختفوا من الوجود، لا قدر الله.
نعم، الضيق شديد وحلقاته تشتد حول رقاب الناس يوماً بعد يوم، لكن وبرغم تلك الحال غير المسبوقة فإن على الناس أن يتحروا الدقة في التشخيص ويبتعدوا عن البحث عن شماعة يحملونها هذا العبء الثقيل.
فمثل تلك الحلول التي يطرحها أمثال كمال رزق إمام وخطيب مسجد الخرطوم الكبير لا تفيد كثيراً وأخشى أن يُستجاب لمثل تلك الحلول الانفعالية غير المدروسة. وحين يطالب كمال رزق في خطبة الجمعة أول أمس وزارة الداخلية بالدخول إلى السوق بعساكرها وضبط الشارع ومراقبته فإن مطالبته تلك تعني حل الأزمة بأزمة أفدح وأكبر منها، وتعني معالجة ظلم بعض التجار وجشعهم بحلول وممارسات توقع الظلم على التجار الذين هم مواطنون سودانيون وليسوا أعداءً خارجيين.
يجب أن تحذروا من التشخيصات الضعيفة للوضع الاقتصادي، وأن تمتنعوا عن الاستماع لأصحاب الرؤى الانفعالية، فمن قبل كانت للإنقاذ في بدايات عهدها سياسات اقتصادية أوقعت الظلم على التجار صغاراً وكباراً كي تحقق لنفسها انتصاراً سياسياً في معالجة الغلاء في تلك المرحلة حين أصدرت أول قراراتها بتخفيض أسعار السلع بشكل فوري وألزمت كل أصحاب المحلات التجارية ببيع سلعهم الموجودة في مخازنهم وعلى أرفف محلاتهم التجارية بأسعار حددتها الدولة بلا منطق، فباع التجار السلع بأقل من السعر الذي اشتروا به تلك السلع وتكبدوا خسائر فادحة بسبب ذلك القرار الظالم.
والآن دعوة كمال رزق وأمثاله لوزارة الداخلية بالدخول بعساكرها إلى السوق هي دعوة انفعالية لم ينتبه أو يحترز هذا الإمام لما قد تتسبب فيه تلك الأفكار من مظالم كبيرة للناس، فضلا عن ما في تلك الدعوات من تغذية سالبة لغبينة المواطن تجاه التجار في الأسواق.
مثل هذه الخطب التأليبية الفقيرة في منطقها هي التي تتسبب في أعمال التخريب والحرق والاعتداء على ممتلكات الناس حين تحدث تظاهرات أو تقع أحداث مثل أحداث سبتمبر العام الماضي.
لا تجعلوا جشع التجار شماعة تعلقون عليها جثمان الاقتصاد السوداني.
لا تجعلوهم كبش فداء، فالسياسات الاقتصادية التي تعتمد منهج التحرير الاقتصادي لا تقبل مثل هذا النوع من التدخلات الظالمة في حركة السوق وأسعار السلع بهذه الطريقة..
وليست تلك هي المعالجات المطلوبة.. احتفظوا بتشخيصكم الانفعالي وأفكاركم السطحية تلك لأنفسكم، لأنها توقع الفتنة في المجتمع والفتنة أشد من القتل، قولوا حسناً أو اصمتوا يا هؤلاء..
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
[/JUSTIFY]جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي