بين الوحل والعشم
ساعات قضيناها أمس بولاية الجزيرة، في معية رئيس البرلمان، الدكتور الفاتح عز الدين، ووفده البرلماني الرفيع.
الزيارة كانت مهمة وضرورية، للوقوف على حال المواطنين المتضررين من السيول والأمطار.
من المهم أن تذهب قيادة الدولة إلى المواطنين، حيث هم يعانون، ولا تنتظر معرفة أحوالهم عبر التقارير والأرقام الباردة ومينشتات الصحف.
أكرر مقولة الروائي العالمي باولو كويلو:
(ما لا تراه العين لا يغتم له القلب).
ولكن للأسف…
في فلسفة الحكم الفيدرالي الحولاء، يظل دائماً القريب للعين، بعيداً عن القلب!.
من لا يصرخ لا يغاث ومن لا يغضب لا يهاب.
سكان الجزيرة في حالتهم الطبيعية، يعانون من أزمات مستحكمة، منذ أن تداعى المشروع، وتحول لذكريات وشجن، ولافتات تدعو المنهكين والمحبطين للابتسام.
(ابتسم أنت في ود مدني)!
الجزيرة العمود الفقري للاقتصاد في السودان الحديث، والتي كانت تتصدر أهم المشاريع الزراعية في أفريقيا والعالم العربي، وتنتج أجود أنوع القطن، أصبحت الآن تتصدر قوائم أخرى.
بالإحصائيات والأرقام والحقائق هي:
الأولى من حيث الإصابة بالسرطانات في عموم السودان، في آخر الإحصائيات.
ولا تزال تحتفظ بالمرتبة الأولى عالمياً بغير منافس في مرض البلهارسيا.
وهناك مرض آخر انفردت به الجزيرة، وتصدرت فيه القوائم العالمية، وهو مرض المادورة (بالدارجي النبت)، وهو يصيب الأطراف، خاصة الأرجل، ويصعد إلى الساق حيث لا علاج سوى البتر.
تلك الأمراض مترتبات قدرية لوجود المشروع في هذا المكان، المشروع الذي تحولت فيه كثير من الحواشات مع الأيام والإهمال إلى غابات من أشجار المسكيت، كما قال أمس والي الولاية دكتور محمد يوسف.
الرجل هادئ ورزين، وفي سمته أقرب للأكاديميين من السياسيين، الذين يظن أغلبهم أن السياسة جلباب أبيض وشال مطرز وعصا أنيقة وشعارات محفوظة وصوت وسيع.
الوقت لا يكفي للحكم للرجل أو عليه.
ظني أن الرجل لديه ما يقدمه، لو نجا من صراعات مراكز القوى عبر معارك النهار ودسائس الليل.
إذا كان ذلك هو حال الجزيرة في المعتاد والطبيعي، فكيف بالله يكون الحال في الكوارث والنكبات؟.
بعيداً عن أدبيات التهميش المُسيَّسة، فالجزيرة تظل في حاجة ملحة لعون ودعم المركز بكل سلطاته التنفيذية والتشريعية، لأنها حينما كانت في كمال عافيتها، لم تقصِّر في دعم الجميع.
في خريف هذا العام، منذ ثاني يوم في العيد، وإلى وقت قريب، ظلت أكثر من عشرين قرية في غرب الجزيرة معتقلة بين المياه والطين، لا يدخل إليها داخل، ولا يخرج منها خارج.
قرى كاملة انهارت منازل ساكنيها، ولم يكن لها من خيار سوى الالتجاء إلى أعالي الترع.
انهارت المنازل والمؤسسات التعليمية والصحية – على قلَّتِها – ولم تجد مغيثاً ولا معيناً في تلك الأيام.
صديقي العزيز عبد الماجد عبد الحميد:
ليس من العدل مطالبة دكتور الفاتح عز الدين بأن تظل طاقته السياسية والاجتماعية حبيسة جدران البرلمان، وفي حدود افتتاح الجلسات ورفعها، ومنح الفرص للنواب.
في ذلك تقييد للرجل لا يقتضيه القانون ولا السياسة، وفيه خسارة للذين يرجون منه الكثير، على الأقل مؤازرتهم معنوياً في المحن بالزيارة والوقوف على آلامهم وأوجاعهم.
[/JUSTIFY]
صحيفة السوداني