مصطفى أبو العزائم

ثرثرة..!


[JUSTIFY]
ثرثرة..!

الثرثرة في المعاجم تعني كثرة الكلام في مبالغة من دون جدوى، و في الذهنية السودانية تعني (الونسة)، أو مخاطبة الآخرين بالمشتركات بينهم وبين المتحدث، ومناقشة تلك المشتركات.

في الغرب وتحديداً في أوربا تعتبر أعمدة (الثرثرة) في الصحافة هي الأكثر رواجاً، والأوسع إنتشاراً بين القراء، والأكثر شعبية لأن الكاتب- كما أشرنا قبل يومين- يخاطب قراءه كما لو كان يخاطب أصدقاءه ومعارفه وأفراد أسرته، ويجنح أحياناً إلى إستخدام المفردة الساخرة والعبارة اللاذعة.

ما كتبناه قبل يومين وجد تجاوباً وتفاعلاً كبيراً مع عدد من أصحاب العمل (القراء)، وأكثرهم يميل إلى تفضيل الكتابة عن القضايا العامة، من زاوية إرتباط الكاتب بها كجزء من المجتمع، وهو ما يشعر أصحاب العمل (القراء) بأنهم قريبون من الكاتب وعموده وفكرته وقلمه. وقد تلقينا عشرات الرسائل الالكترونية، والعادية والكثير من المحادثات الهاتفية تعقيباً وتعليقاً على الموضوع.

أحد أصحاب العمل الكرام قال في محادثة هاتفيه: (أبعدونا عن السياسة والسياسيين، خاصة أولئك الذين لا مهنة ولا حرفة لهم سوى الكلام غير المنتج).. وقارئة حادبة ومتابعة، عقبت على ما كتبناه من قبل بعنوان (إحتجاج في غير محله)، كتبت الآتي: (للأسف.. النقد «الشناف» أصبح صفة للكثيرين. وأعمدة الصحف هي إيناس حقيقي للقاريء، تمثل له الصديق المقرب الذي يتداول معه كافة موضوعات الحياة بما فيها الخاص المفيد).. وهكذا كانت الرسائل لكن أطرفها كان صاحب عمل قال إنه أستاذ جامعي يتأهب للهجرة خلال أسابيع قليلة، جاء فيها إن عبارة أعمدة (الثرثرة) تذكره أخطر روايات الأديب المصري العالمي الراحل الأستاذ نجيب محفوظ (ثرثرة فوق النيل) المحتشدة بالثرثرة السياسية، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي خطير وجاذب، خاصة أنها وبعد صدورها عام 6691م لم تجد الرضا والقبول من قيادات الحكم في مصر خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي حماها هو شخصياً ودافع عنها أمام قيادات خطيرة مثل المشير عبد الحكيم عامر، وصلاح نصر مدير المخابرات العامة وغيرهم.

ويستطرد الأستاذ الجامعي المهاجر، فيقول إن الثرثرة والكلام الكثير تقود دائماً إلى ترسيخ المعاني والمفاهيم والأفكار، لذلك يمكن أن يتحقق التغيير من خلال أعمدة الرأي في الصحف، أو من خلال البرامج الحوارية، والتي هي ثرثرة عامة في حد ذاتها، وهي ما يعرف ببرامج «التووك شو» (Talk Show).

قلت لمحدثي أنني أتفق معه في ما ذهب إليه، لكنني أضيف لما ذكر، رأي الأديب الراحل الأستاذ نجيب محفوظ، وكنت قد إلتقيته رفقة زملائي الأساتذة محمد لطيف علي، وصباح محمد آدم، وإنعام محمد الطيب، في القاهرة عام 6891م، على ظهر باخرة نيلية كان يعقد داخلها منتداه الاسبوعي، وكانت الباخرة تحمل اسم (لؤلؤة النيل) أو شيء من هذا القبيل إن لم تخنّي الذاكرة، وقد سألته تحديداً عن رواية (ثرثرة فوق النيل) التي أثارت ضجة بعد أن تحولت إلى فيلم سينمائي عام 1791م لعب أدوار البطولة فيه كبار نجوم السينما المصرية، بدءاً من عماد حمدي، مروراً بأحمد رمزي، وماجدة الخطيب وسهير رمزي، وغيرهم.

إبتسم الأديب الراحل إبتسامة عريضة، وأجاب بعبارة بليغة كانت: (أهي.. هيّ كانت بتعبّر عن مرحلة معينة من مراحل الثورة المصرية، وهي بتمثل جانب من التاريخ السياسي من خلال وجهة نظر شخصية).

لم يعرف للأديب الراحل نجيب محفوظ موقف معادٍ للثورة المصرية، وهذا هو ما منع عنه بطش الغاضبين، وجذب إليه حماية عبد الناصر.
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]