رفع الدعم ولعبة (سورو جاري)
في زمان ماض كان بعض أطفال السودان وصبيته وخصوصا في بعض أريافه، مغرمون جدا بلعبة تراثية شعبية يطلقون عليها مسمى (القرقور)،وأجد من الصعب علي التعريف بماهية هذا القرقور،وغاية ما يمكنني قوله عنه أنه عبارة عن صدفة مخروطية الشكل وحجمها أكبر قليلا من بيضة الدجاج تحتضن بداخلها (دودة) أو ما يسمى علميا بالحلزون، ولا يوجد القرقور الا في المناطق الرطبة على حواف الأنهار والخيران والوديان والبرك ،وكان بعض الاطفال بارعين جدا في التعامل مع خامة القرقور بتنظيفها جيدا من ما بداخلها ثم تجفيفها وتسويتها وهندستها بطريقة معينة تجعلها صالحة لممارسة اللعبة، وتبدأ اللعبة بجلوس اللاعبين في حلقة دائرية ويبدأ أولهم في تدوير القرور واذا ما نجح في قلبه أثناء دورانه رأسا على عقب، أجاز له ذلك معاقبة الذي على يمينه بصقعه على ظاهر كفه ،ثم الذي يليه بل ويستمر في ضرب وصقع الاخرين جميعا طالما كان ماهرا في قلب القرور،فيقلب حياة الاخرين الى جحيم ، وهذا ما يسميه لعيبة القرقور ب (سورو جاري)…
الحكومة أيضا لديها لعبة (سورو جاري) التي تخصها،وهي سياسة رفع الدعم هذه التي ظلت دائرة تصقع بها الناس باستمرار،فكم مرة أعلنتها وكم مرة طبقتها وكم مرة لوحت بها حتى أصبحت (فرمالتها)الوحيدة التي لا تملك غيرها من حل أو خيال أو أفق، لحل الأزمة المالية والاقتصادية التي أطبقت على خناق البلاد،كلما استحكمت حلقات الأزمة هرعت الحكومة الى سياسة رفع الدعم تستنجد بها لتنجو هي وتصقع الناس،ولعلكم لم تنسوا ذلك الخبر الذي تسرب مع قبايل عيد الفطر على لسان الحزب الحاكم وحمل وعيدا برفع الدعم عن المحروقات نهاية العام،وكان أن نفته حينها وزارة المالية،هذا الخبر قد تأكد الان وللعجب على لسان وزارة المالية نفسها،وهذا التناقض يعني أن هذه الوزارة أستقبلت من أمرها ما أستدبرت ثم فكرت وقدرت ثم نظرت ثم عبست وبسرت ثم أدبرت واستكبرت ثم خرجت أخيرا لتقول لا فكاك من رفع الدعم،ومن كثرة ما أستهلكت الوزارة عبارة (رفع) هذه حتى غدت كأنها مولعة بها،ولع ابن أخ النحوي أبو زيد الأنصاري بها ، قيل إن أبازيد الأنصاري أراد مرة السفر من بغداد إلى البصرة، فقال لابن أخٍ له أكثر لنا، فجعل ابن أخيه ينادي، يا معشر الملاحون، يا معشر الملاحون، أزعج هذا اللحن أبوزيد فصرخ في ابن أخيه موبخاً، ويحك ما تقول، قال ابن أخيه، أنا مولع بالرفع.. وليست وزارة المالية وحدها من لم تعرف حلا سوى رفع الدعم بل إن الحكومة والحزب مجتمعين وثالثهما تابعهما قفة لم يجدوا مناصاً غير السير في ركاب صندوق النقد وتطبيق وصفته المحفوظة لكبح انفلاتات الموازنات وعجزها، حتى بدا هذا (الرفع) وكأنه المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها الا هالك رغم اهلاكه للناس…
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي