جعفر عباس

ماذا جنيت من تدريس البنات

[JUSTIFY]
ماذا جنيت من تدريس البنات

رغم أن إجمالي مدة خدمتي في وزارة التربية والتعليم لم تتجاوز السبع سنوات، فإنني عملت في تدريس البنات في المرحلة الثانوية لنحو أربع سنوات، وفوقها السنوات التي كنت أدرّس فيها فصولا مختلطة في المدارس المسائية التي كان اتحاد المعلمين يديرها، والتي كانت تعود علينا بعائد مالي كبير، في زمن كان المدرس يعتبرها إهانة، أن يطلب منه ولي أمر إعطاء ولده او بنته دروسا خصوصية، وخرجت من تدريس البنات بإعاقة صحية ومكسب أدبي، أما الإعاقة فتمثلت في أن المدرسين الذكور في مدارس البنات كانوا يتحرجون من دخول دورات المياه، وفي مدرسة بنات خاصة كنت معارا إليها من وزارة التربية، كانت دورات المياه الخاصة بأسرة التدريس من الرجال، ملاصقة لتلك المخصصة للطالبات، وبالتالي لم يكن يدخلها أحد، فاحتلتها البنات، وكان نتيجة هذا الوضع- كما علمت لاحقا- أنه ما من رجل عمل في مدرسة بنات إلا وعاني من اضطرابات هضمية، وعلى رأسها الإمساك، أما المكسب فهو تفادي حفلات الزواج والحفلات العامة عموما، فيا ويلك وظلام ليلك لو كنت مدرسا وذهبت إلى حفل زفاف، فحتى لو جلست تنظر إلى حذائك، جاعلا من عمامتك نقابا، فستسمع عند عودتك المدرسة في اليوم التالي بنتا خفيفة الظل تقول لك بخبث: ضبطوك وأنت تبصبص يمين وشمال في حفل زواج خمجان وبرطمانة، كما أن تدريس البنات يعلمك السير في الشارع بالخطوة العسكرية: تمشي دوغري ورأسك فوق، ولا تنظر يمينا ولا شمالا، بل لا تنظر حتى إلى موطئ قدمك، وقد يؤدي هذا الى سقوطك في بالوعة، ولكن ذلك أهون من أن تراك طالبة لك وأنت تتلفت – بحثا عن محل أو مكتب معين – فتحسبك تبصبص في الرائحات والغاديات، والغريب في الأمر هو أنه لم يحدث أن ذهبت يوما ما إلى اي مكان في المدينة، من دون أن أفاجأ بأن طالبة أو أكثر رأتني في ذلك المكان، يعني حلال عليهن ان يذهبن الى كل مكان، ولكن المدرس يجب ان يخضع لحظر التجوال.
ولكن كان ذلك مكسبا ضخما، فحتى بعد أن فارقت التدريس، صرت لا أطيق الدوشة والزحمة في حفلات الزواج، ولا أحضر مثل تلك الحفلات ما لم تكن تربطني بالعريس أو العروس صلة قوية، وحتى لو حضرت حفلا لفئة الأقارب ففي غالب الأحوال لن أمكث فيه طويلا، وهكذا إذا كنت مدعوا لحفل زفاف في تمام الثامنة مساء فإنني أتوجه إلى مكان الحفل في نحو التاسعة والنصف مساء، وأحرص على مصافحة أكبر عدد من «أهل الفرح»، ثم أزوغ من دون استئذان، وبلغت حساسيتي من حفلات الزواج أنني حتى لو صبرت عليها أربع ساعات لا أتناول شيئا من الطعام المقدم لضيوف الحفل، فالأكل في نظري ممارسة حيوية ينبغي أن تكون فيها درجة من الخصوصية، ولهذا لست ميالا لتناول الأكل في المطاعم او الفنادق، بل إنني سيئ الظن بالأكلات ذات الأسماء الرنانة، بعد ان ذقت الكافيار واكتشفت أنه أخو الفسيخ في الرضاعة، ثم اقترح علي أحدهم في فندق أن أذوق السوشي، فسألته عن كنهه، وعرفت أنه سمك نيئ يتم تقديمه للزبون ملفوفا وبداخله طحالب وعقارب وكائنات أخرى ذات مخالب، وكلمة حق في حق البنات في المدارس السودانية: تهذيب وحسن أدب مع المعلمين، ورائحة غرفة الدراسة تفوح منها عطور ناعمة، حتى الطالبة التي قد يعتبرها البعض مشاغبة تكون في غالب الأحوال مرحة و«عفريتة»، ولا تحتاج إلى ضبط الطالبات أكثر من العين الحمراء، وأحيانا تندم على اللجوء إلى العين الحمراء، لأنها قد تتسبب في فتح حنفية دموع.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]