مثلث العلاقات المصرية الأمريكية الإيرانية
شهد مثلث العلاقات المصرية الامريكية الايرانية تقاربا واضحا مؤخرا في تكريس الاتجاه نحو اعادة صياغة تكتيكية لخريطة استراتيجة اقليمية تعصف بها اضطرابات وحروب تشطب حدودا وتثمر «دويلات» في اندفاع مخيف نحو مجهول.
ومن ملامح هذا المثلث، القرار المفاجئ لواشنطن قبل ايام ابلاغ القاهرة بالافراج عن صفقة طائرات الاباتشي التي كان تعليقها مع باقي المساعدات العسكرية سببا مباشرا في توتر غير مسبوق شاب «التحالف القديم» بين البلدين.
وتشي المعطيات التي صاحبت القرار بأن ثمة «ضرورة استراتيجية» جعلته حتميا، خاصة ان العلاقات الدبلوماسية انحدرت الى «ملاسنات حادة» بين البلدين، بينها تصريحات للمتحدثة باسم الخارجية الامريكية بأن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي يستخدم المساعدات الامريكية في»قمع المعارضين»، وهو ما ردت عليه القاهرة باتهامها بالجهل، ثم اخضاع وزير الخارجية جون كيري للتفتيش الامني، بينما رفض السيسي حضور القمة الافريقية الامريكية في واشنطن الشهر الماضي، ثم قام بزيارة لروسيا في الاسبوع نفسه اسفرت عن اتفاق على شراء منظومة دفاع جوي وصواريخ متطورة.
أما على صعيد العلاقات مع ايران، فقد جاءت تصريحات علي اكبر ولايتي اثناء استقباله وفدا مصريا امس لتتوج توجها تدريجيا نحو التقارب بين البلدين. اذ اكد احترام طهران» لارادة الشعب المصري في اختيار حكامه، وتطلعه الى تعزيز العلاقات الثنائية في كافة المجلات».
وبالطبع ما كان للوفد المصري ان يزور طهران اصلا الا بضوء اخضر من النظام، الذي قرر على ما يبدو الا يستثني احدا في سعيه لبناء تحالف اقليمي دولي لمكافحة الارهاب، وهي مهمة ساهم تنظيم «داعش» في جعلها اكثر سهولة بعد ما حققه من «فتوحات» في الفترة الاخيرة.
وكانت علاقات طهران بالقاهرة بعد اطاحة الرئيس المعزول محمد مرسي تتراوح بين «الغموض والتوتر»، وهو ما أدى الى استدعاء السفير الايراني في القاهرة منذ شهور فقط وابلاغه باحتجاج رسمي على تصريحات رسمية، اعتبرها النظام المصري «تدخلا غير مقبول». وفسر مراقبون ذلك الموقف بأن طهران كانت ترى في اطاحة حكم الاخوان في مصر تهديدا لمستقبل «الاسلام السياسي» برمته في المنطقة، وبالتالي تهديدا ضمنيا لنظامها.
فما الذي ادى الى هذا «التطور المفاجئ» في العلاقات؟ وهل ادركت طهران ببراغماتيتها المعروفة انه لا يوجد مفر من التعامل مع العهد الجديد، مع استبعادها عودة الاخوان الى الحكم؟
على اي حال فان ايران في سعيها الى حشد السنة العرب ضد «داعش» تدرك جيدا اهمية ما توفره مصر من»بوابة شرعية» الى العالم العربي باغلبيته السنية.
وللسبب نفسه وافقت طهران على ايفاد نائب وزير خارجيتها حسين عبد اللهيان الى الرياض مؤخرا، بعد تمنع طويل، لحثها على تحريك العشائر السنية في العراق ضد داعش، وهو ما بدأ يؤتي ثماره بالفعل.
وعلى الرغم من النفي الرسمي الايراني للتعاون الامني مع واشنطن في العراق، وهو ما اقرت به الادارة الامريكية رسميا، فان تسريبات عسكرية اكدت ان الولايات المتحدة تستفيد بالفعل وبشكل واسع من المصادر الاستخباراتية الايرانية في العراق، في شن غاراتها على قوات داعش.
ويفسر هذا التقارب الايراني الامريكي تصريحات وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف امس الاول التي توقع فيها التوصل الى اتفاق شامل مع الدول الغربية بشأن البرنامج النووي الايراني قبل التاريخ المحدد رسميا لذلك. وكما هو معروف فان واشنطن تمثل الطرف الرئيسي في المفاوضات مع ايران.
اما بالنسبة الى مصر، فان الولايات المتحدة، وكما فعلت في حروبها الاقليمية السابقة، تحتاج الى تسهيلات عسكرية مصرية، وخاصة مرور حاملات الطائرات من قناة السويس، والخدمات اللوجستية من قاعدة «غرب القاهرة» لشن حملات جوية مكثفة ضد داعش، ضمن التحالف الذي يجري بناؤه حاليا.
بالاضافة الى ان حملة «قطع الرؤوس» في سيناء اسفرت عن ستة ضحايا حتى الان، وهو ما تتعمد الحكومة المصرية التعتيم عليه اعلاميا. وبالرغم من أن تلك التنظيمات التكفيرية لم تشكل اي تهديد مباشر لاسرائيل، الا ان مجرد وجودها في سيناء يدق «جرس انذار» لدى مؤسسات امنية امريكية بشكل خاص.
انه عصر جديد من التحالفات لن يقف عند هذا المثلث، بل قد يغير مسارات وازمات ومحاور اقليمية ظن البعض انها قد لا تتبدل، متجاهلا تاريخ الصراعات الدولية وطبيعتها.
{ القدس العربي
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]