وتعرضنا للاشتباه
بعد أن استبسلنا في استخدام الاسكاليتر في مطار هيثرو في لندن، في أول زيارة لنا لبلد أوروبي مبتعثين من إدارة التلفزيون التعليمي، ووصلنا إلى صالة الجمارك ونحن نتصبب عرقا، ووجدنا بوابتين إحداهما للذين لا يحملون أمتعة خاضعة للجمارك، لأننا كنا واثقين من أن ملابسنا البائسة غير خاضعة للجمارك فقد توجهنا نحو تلك البوابة، ولكن ضابط جمارك وجهنا الى البوابة التي تخص حاملي الأمتعة الخاضعة للجمارك، فانصعنا لأمره وقام رجال الجمارك بفلفلة حقائب اليد التي كنا نحملها وهم ينظرون إلينا نظرات شك، وبعد تدقيق طويل سمحوا لنا بالعبور، وما أثار شكوكهم فيما يبدو أننا ظللنا لايصين وصائعين في المطار عدة ساعات مترددين في الصعود إلى صالات الجمارك، ثم وصلنا تلك الصالات ونحن نتصبب عرقا وكأننا نحمل جثثا آدمية – وليس فقط مخدرات أو اي نوع من الممنوعات – في حقائبنا، ولم يكونوا يعرفون أن الاسكاليتر الذي تم اختراعه لتخفيف عناء الحركة ونزف العرق عن المسافرين، هو الذي سبب لنا فقدان السوائل عن غير قصد منه.
ولم نواجه اي مشكلة مع جماعة الجوازات، فقد كان السودانيون أكثر أهل إفريقيا والعالم العربي قبولا في بريطانيا، لأن معظمهم كانوا يأتون إليها إما كطلاب علم أو رجال أعمال أو مسؤولين رسميين (يعني أمور اللجوء بالأوانطة وغير الأوانطة لم تكن من شيم سودانيي ذلك الزمان (بعدها بسنوات طويلة عملت في تلفزيون بي بي سي في لندن وأقمت في المدينة بصورة قانونية مع عائلتي، وبعد انتهاء خدماتي فيها عبرنا الجوازات في مطار هيثرو وانتبهت إلى أنهم لم يضعوا خاتم الخروج على جوازات سفرنا، فنبهت رجل الجوازات إلى الأمر فقال لي: لديكم إقامات سارية في بريطانيا وتستطيع أن تزورها متى شئت طالما صلاحيتها سارية، فقلت له: أختم لنا الخروج و«كنسل» الإقامة، لأنه ليس في نيتي زيارة بلادكم في المستقبل القريب، فابتسم الرجل وقال لي بعربية مكسرة ما معناه: نحن في بريطانيا مشكلتنا مع أناس يزورونها مدة محدودة ويجعلون تلك المدة مفتوحة، وآخرين يتحايلون لدخولها والبقاء فيها بأساليب ملتوية، وأنت من حقك أن تدخل وتخرج منها بطريقة شرعية وترفض هذا الحق!! فقلت له إنني أعرف أنني لن أواجه اي مشكلة إذا رغبت – لا قدر الله – في زيارة بريطانيا، لأن لدي سجلا في شرطتها وكنت دافع ضرائب ولدي رقم تأمينات اجتماعية، فقال لي ما معناه معك حق ومع هذا لن أقوم بإلغاء إقامتك، وعلى كيفك تجي أو ما تجي خلال مدة سريانها.
وخرجنا من مطار هيثرو، نحن الخمسة (أربعة شبان وسيدة) المبتعثين إلى نفس المعهد وفوجئنا بأنه لا يوجد تاكسي يتسع لنا وأمتعتنا، وجاءنا الفرج على يد رجل صومالي يملك حافلة صغيرة (فان)، وسألنا عن وجهتنا، فأحسسنا بالحرج وقلنا له: للأسف الخواجات لم يطوروا الانترنت بعد وإلا لكنا سألنا صديقنا غوغل الذي لا يخذل من يلجأ إليه عن الفنادق التي نستطيع استئجارها في حدود إمكاناتنا، وحجزنا أماكن سكنانا باستخدام الكريديت كارد، ولكن المؤسف أيضا أننا لم نسمع بتلك الكاردات من قبل (بالمناسبة إلى يومنا هذا فبطاقات الائتمان من فصيلة فيزا وماستر وداينرز غير معروفة في السودان، بينما هي في طريقها الى الزوال في بقية انحاء العالم ففي يابان اليوم مثلا فإن الهاتف الجوال هو الكريديت كارد وبطاقة الصعود الى الطائرة ورخصة قيادة السيارات والبطاقة الشخصية)، وطاف بنا صاحبنا الصومالي عدة فنادق ثم عثر لنا على واحد بدون نجوم يناسب قدراتنا المالية.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]