عبد الجليل سليمان

يا خلف الله أفحمتنا


[JUSTIFY]
يا خلف الله أفحمتنا

كُنا أشرنا في مناسبات عديدة، ولأكثر مِنْ مرّةٍ، أن لا شيء مما يُصرحون به سيحدث. فلم نر (عساكر ولا برلمانيين) يجوبون الأسواق بعمائم وبنادق وهراوات، وهذا بالطبع أمر مستحيل، لأنهما ليسا الجهتين المُناط بهما فعل ذلك بالأساس, فضبط الأسعار مهمة تقع على عاتق (جهات) بعينها، ليس من بينها الجيش والبرلمان كما ظل يثار من قبل الهوجاء والدهماء طيلة أيام الأسبوع المنصرم.

الآن، حصحص الحق، وزهق الباطل، فها هو شاهد من أهلها يأتي ليقول لنا بالحرف الواحد دون تأتأة أو تردد “إزالة الضرائب والرسوم الجمركية عن السلع المعيشية أمر غير صحيح اقتصادياً، وإن الرقابة على الأسواق لن تكون من خلال تسعير السلع، لأن التسعير غير جائز شرعياً، وأن الضوابط ستكون من خلال محاربة الاحتكار والتخزين والغش”. وقال إن معظم السلع مستوردة وليست للدولة (يقصد الحكومة)، سيطرة عليها.

أتدرون من هو القائل؟ إنه (الماحي خلف الله) رئيس القطاع الاقتصادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وهكذا يمكننا أن نردد باطمئنان تام المثل العربي القديم (قطعت جهيزة قول كل خطيب)، بمن فيهم إمام مسجد الخرطوم العتيق الشيخ (كمال رزق)، الذي طالب بنزول الشرطة والجيش إلى الأسواق والتخندق فيها لردع انفلات الأسعار ولجم طغيانها، مضموماً إليه كل أعضاء البرلمان الذين أعلنوا أنهم سيهبطون السوق (يوم السبت) الماضي، لكبح الارتفاع الجنوني للأسعار (ولم يهبطوا حتى الآن).

لكن (خلف الله) ظن أن لا أحداً بمقدوره أن ينافح حُججه، فيدحضها دحضاً ويسحقها سحقاً حتى يكون (ثفالها شرقي نجد ولهوتها قضاعة أجمعينا)، وها نحن نجلس خلف رحانا التي متى ننقلها إلى قوم (يكونوا في اللقاء لها طحينا)، ويا لك من شاعر نحرير يا (ابن كلثوم)، نجلس إلى مرحاكتنا لـ (نسحن) حجج رئيس القطاع الاقتصادي في الحزب الحاكم حتى نجعلها ناعمة بعض الشيء، فالرجل لم يجد في هذه كل هذه الفوضى الضاربة بأطنابها على الأسواق ما هو غير شرعي إلا (التسعيرة)، وكي يبرر ذلك قال: “إن التسعيرة ليست فيها عدالة فقد تظلم البائع إذا كانت السعر أقل من التكلفة، أو تظلم المشتري إذا كان السعر مرتفعاً”.

طيب هذا هو نص قانون العرض والطلب، الذي يمكن أن يتم ضبط الأسعار خلال سريانه بالتحكم فيما يسمى بآلية السعر (Price mechanism)، وهي آلية تحدد الأسعار أتوماتيكياً وفقاً للقانون أعلاه، ولكن في ظل بطلان وتعطل (قانون العرض والطلب)، بسبب الاحتكارات والتخزين وغياب الرقابة على الأسواق، وتدخلات الحكومة لصالح فئات محددة، وتوقف الإنتاج، والفساديْن المالي والإداري، لن تعمل (آلية السعر) التي ترتفع به كلما نقص العرض وكثر الطلب، وتنخفض به كلما حدث العكس، ثم ما تلبث أن تعود إلى حالة التوازن مرة أخرى حال دخول أو خروج مشترين من السوق.

بالعربي كدا، فإن أسعار السلع والخدمات وفقا للقانون والآلية المشار إليهما سلفاً، تنخفض لترتفع، ثم ترتفع لتنخفض، لكن ما يحدث الآن، أن الأسعار إذا ما ارتفعت لا تنخفض مرة أخرى، وذلك لسبب بسيط جداً، هو أن الأمر في هذا الحالة يتطلب تدخلا حكومياً (government intervention) حتى لو كانت الدولة تنتهج اقتصاد السوق.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي