ضياء الدين بلال

أفجعتني يا جعفر!


[JUSTIFY]
أفجعتني يا جعفر!

-1-

أفجعني الأستاذ جعفر عباس.

الرجل يروي لي قصصاً صادمةً، في زيارته لي بالمكتب قبل يومين.
يروي قصصاً عن مصير المشاريع الخيرية، التي قامت في السودان، بجهد مشترك، مع حرمه المصون، وتبرعات سخيَّة من خيِّرين خليجيِّين.
إذاً، الأزمة ليست متعلقة فقط، بما حدث في مستشفى كوستي؟!
قصة الإداريين الذين نزعوا المكيفات من عنبر الأطفال، ونقلوها إلى مكاتبهم، ولم يعيدوها إلى مكانها، إلا بعد (انكشاف حالهم)، على صفحات (السوداني).
-2-
القصة أكبر من ذلك وأعقد. ستعلمون مصدر الفجيعة قرائي الأعزاء، عندما تطّلعون بعد قليل، على قصص أخرى، من ذات الخامة السلوكية.
التجاوزات في انتهاك حقوق الآخرين، وتسخيرها لمصالح الأفراد والجماعات المحدودة، لم تعد سلوكيات تشعر فاعليها بالحرج وضرورة الاختباء من أعين المجتمع، ولا تلزمهم ببذل جهد في التحايل على المسؤولين والجهات الرقابيَّة.
-3-
التجاوزات وصلت مرحلة المجاهرة، تتم تحت الشمس وفي الأضواء الكاشفة، وبسفور ووقاحة متناهية، دون مراعاة لرقيب أو خوف من حسيب!.
تجاوزات تتم بقوة عين وضمير معلول، تُغتال فيها المشاريع، إن لم يكن بيد الفاسدين، فبإهمال المقصرين والعاجزين عن الفعل وعن تمامه.
هميمون ونشطاء في مصالحهم، وكسالى ومتراخون في حقوق الآخرين.
-4-
كثير من المشاريع العامة والخيريَّة منها، لا تفشل لقلة الموارد أو لضعف التمويل؛ ولكن لسوء الإدارة وضعف الإرادة، والتراخي في تأدية الواجبات.
تابعوا معي كيف آلت بعض هذه المشاريع الخيريَّة للفشل، وتبددت قيمتها بمتلازمة الإهمال أو فساد الضمير:

*مركز الطفولة والأمومة في قرية بجنوب المتمة، أنشئ بأَسِرَّةِ ولادة وجهاز موجات صوتية، ومختبر وصيدلية، وغرف ولادة وكامل التجهيزات، تم افتتاحه، وبعد أسبوعين من الافتتاح، أُغلق لعدم وجود ميزانيَّة لإدارته وتسييره!.
*مركز صحي واوسي، تم بناؤه على مساحة فدان، على شارع التحدي مع قسم للطوارئ والحوادث، وغرف للكشف ومختبر متكامل.
ماذا حدث؟!
الوزارة طالبت الخيِّرين بغرفتيْن: واحدة للإداريِّين؛ والأخرى للإحصاء.
-تمَّ لهم ذلك-
وجاء فاعل خير، وأنشأ قسماً للولادة والنساء.
-طيب وبعدين-
لعدم وجود كيبل 6 أمتار، تأخر الافتتاح لمدة عام. الخيِّرون أتوا بالكيبل.
-تمام-
بعد فترة وجيزة، تمت سرقة المولد الكهربائي!.
السبب أن الوزارة لم تقم بتعيين غفير، فأُغلق لعدم وجود الكهرباء، إلى أن اُفتتح مرة أخرى!.
-5-
* تمكن أبو الجعافر، وأم الجعافر، من إقناع رجل خيِّر خليجي، بشراء مغسلة كهربائية و(دراي كلين) متكاملة، تؤدي مهام غسل ملابس وملايات وبطاطين أطفال المايقوما، ويمكن استخدامها تجارياً لمصلحة الدار، ذلك بعد تعطل الغسالة المحدودة التشغيل.
ماذا كان الرد؟
(ما عندنا ليها مكان، أدونا تبرعكم كاش)!
-6-
*خليجي آخر، تبرع بمخبز آلي، بأحدث التصاميم، لجامعة الخرطوم، يخصص ريعه لفقراء ومساكين الجامعة، ورُفض العرض لعدم وجود مكان، وتم تحويل المشروع إلى غزة!.
* 8 آلاف كتاب جامعي في كل التخصصات، لم تجد جهة مستعدة لترحيلها. مُنحت الكتب لجامعة خاصة، مقابل 5 منح فقط لطلاب فقراء!.
* 6 أسرَّة طبية حديثة، تعمل بالكهرباء، ذهبت إلى مستشفىً ولائي، وضلَّت الطريق إلى المستشفيات الخاصة!.
-7-

المشروع الوحيد الذي وجد الرعاية والاهتمام، هو مشروع كفالة فاقدي البصر بجامعة الخرطوم، والذي استمرَّ لـ9 سنوات، وإنشاء مكتبة إلكترونية لهم بالجامعة، وهي الأكبر في أفريقيا. ما ساهم في نجاح المشروع اهتمام ورعاية البروفسر الإنسان محمد أحمد الشيخ مدير الجامعة وقتذاك.
-8-
كل ما سبق مشاريع خيريَّة، بعضها أُجهض في طور النوايا، أو خلال الإجراءات، والآخر فشل في مرحلة التنفيذ، أو تعثّر مع الأيام والإهمال.
أن تعجز في الحصول على موارد أو دعم، فهذه أزمة؛ ولكن أن تُبدع في تبديدها وإهدارها؛ فتلك هي المأساة تقف على ساقين!.
[/JUSTIFY] [EMAIL]diaabilalr@gmail.com[/EMAIL] العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني