المثقفون والمفكرون
حين تقرأ لفلان، ثم لعلان، ثم لهذا وذاك، الموسومين بأنهم “مُفكرون عظماء ومثقفون لا يُشقُ غِبارْهم” حتى بعصا النبي (موسى)، وما إن تتجاوز بضعة أسطر من توطئاتهم حتى تتعضد لديك قناعتك القديمة بأنه فيما عدا ثلاثة أو أربعة – ليس ثمة من يستحق في هذه البلاد – فيما لو طبقنا المعايير الدقيقة وضبطنا عليها الأمور – أن ينال ولو نزراً يسيراً من هذين الوصفين الثقيلين.
تفكر في الأمور على هذا النحو، ثم تضع كافة الكتب عدا أربعة – ممن فرزتها بالأسبوعين المنصرمين لأكثر من (خمسة عشر) ممن نصفهم بالمفكرين، أدراجها وأرففها، فعلت ذلك وأنت تردد: تلك هي الأماكن المناسبة لهم، إذ خانتك قواك، فلم تستطع أن تقول (إلى مزبلة التاريخ)!!
ما تجده بين ظهراني كتب هؤلاء المفكرين السودانيين، يحيلك مباشرة إلى أخوانيات (عبد الحليم علي طه ومحمود الفكي)- تربوي وموظف في المالية (على التوالي)، وهي أشعار هجاء (عنصرية) مكتوبة بمحكية وسط السودان وشماله النيلي، ولا يزال كثيرون يحتفون بها رغم (رثاثتها) من حيث المبنى والمعنى، وكما كان أوار تلك (المُجادعات) الشعرِّية المُكتنزة عُنصرية يشتعل أكثر عند المناسبات السياسية، كذلك تفعل هذه الكتيبات المسماة (فكرية)، إذ تجدها دوماً تخدم ذات الأغراض، لكن بطريقة يُعتقد أنها أكثر ذكاءً وأوسع حيلة.
جُل كتابات هؤلاء، أو أولئك المفكرين، لا تختلف إلا بمعياري (المباشر وغير المباشر)، عن أخوانيات (عبد الحيم والفكي)، حين قال الأول يرد على الثاني في مناسبة سياسية “نحن أولاد جعل أهل البلد وأصحابه/ أهل الذكر والقوس مع النشابه/ يوم جدك جري وتور عجاج في سحابه/ ساكاه الكلاب ودخلوه في شكابه/ دقينا النحاس وقتين لقاه خرابه”، وما تلى ذلك من أبيات لو ذكرناه هنا لصوردت (الصحيفة)، أما (ود الفكي) فلا يقل عن سالفه (عنصرية)، أوليس هو القائل: محمود الفكي قصيدة أدخل فيه كل الحوادث المهمة آنذاك من مشكلة الجنوب وما بعد مؤتمر جوبا، وقال مخاطبا لهم في بعض أبيات تلك القصيدة التي منها :”سلسلة السوداني الحاوية البعيد والداني/ قالوا الرئيس شنقيطي ونائب الرئيس حمريطي/ وفيها العريان الميطي وقلبو الحكم برنيطي”.
فما كان من التربوي معلم الأجيال (عبد الحليم) إلا أن يرد على موظف وزارة المالية الكبير (الفكي) بقوله “يا أخي مالك بالشعر ومالك بتلدو ولاده/ وزي ود الحرام بتمرقوا بالجباده/ بنوت الشعر غاويانا ونحن انداده/ انت بتحزنها ونحن بنفك لحداده/ حسبتك بالرسول والأولياء والسادة/ امرق الذمة إنت جعيلي ولا يماني ولا نقادة”.
الآن كل ذلك، تجده في محاضرات وكتب و(ونسات) هؤلاء (المفكرين والمثقفين)، ليس ثمة فرق بينهم وبين سالفيّ الذكر بمقدار أنهم ينثرون، وذينك يشعرون.
وبرضو شابكننا (مفكرين ومثقفين وكتاب رأي ومبدعين)!!
[/JUSTIFY]الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي