مصطفى أبو العزائم

عندما يتحدث السوق..!


[JUSTIFY]
عندما يتحدث السوق..!

فلنفترض بدءاً أن للسوق لساناً يعبّر عنه، ويتحدث به للآخرين، الذين هم نحن، أنا وأنت وهُمْ، إذا افترضنا ذلك، ترى ما الذي سيقوله لنا السوق هذه الأيام..؟.. ومن المؤكد أن خطابه لن يكون موجهاً لنا وحدنا، لأنه سيكون في ذات الوقت موجهاً للحكومة بكل تراكيبها ومؤسساتها وهيئاتها على مستوى المركز وعلى مستوى الولايات مروراً بالمحليات وانتهاء بالوحدات الإدارية وأسواق الأحياء و«البيع المخفض».

أول جملة سينطق بها السوق هي عبارة: «على كيفي» ويقصد بها أنه غير ملزم بأي لائحة أو أمر محلي أو قانون ليحدد أسعار المعروض فيه.

الآن الأسعار «مطلوقة» وتقلصت قائمة الضروريات والاحتياجات لتتناسب مع ما هو في «الجيب».. وتعلو الأصوات هنا وهناك، من داخل البرلمان، ومن داخل قاعات مجلس الوزراء، ومن داخل المؤسسات المعنية بالأمر، بأنها «لن تسكت» بل ستتدخل لإيقاف موجة الغلاء الطاحن، ومراجعة الأسعار في الأسواق، دون أن يجرؤ أي شخص من أصحاب تلك الأصوات العالية، ليقول لنا ما هي آليات تدخله لإيقاف هذا الغلاء المستشري كالسرطان في جسد الدولة، ودون أن يحدد لنا ما هي «العقوبات» التي سينزلها على المتسببين في هذه الزيادات غير المنطقية في الأسعار..!

عندما يتحدث السوق، ويقول: «على كيفي» فإن الجيوب ستصمت، والرغبات ستتراجع، والاحتياجات ستقل، وقد تمتد أيادٍ إلى المال العام أو الخاص لدرء أخطار الجوع المحتمل، رغم أن هذا لا مبرر شرعي له..!..

عندما يتحدث السوق، سيبتسم كثير من التجار الكبار، من شاكلة الموردين، أو الموزعين الرئيسيين لا صغار الباعة في دكاكين الأحياء أو كناتين الفرقان، لأن هذه الفئة ستتأثر سلباً دون شك، بأن تتقلص قائمة طلباتها من السلع الضرورية والأساسية، لأن الأسعار ارتفعت من المورّد ثم من الموزع الكبير فالموزع الأصغر، بما لا يمكن التاجر الصغير من سداد فاتورة احتياجات محله أو متجره الحقيقية، لأن رأس ماله التشغيلي متآكل، وأرباحه «وهمية»، لأنه إن تمكن من شراء سلعة ما ، بسعر ما، وربّح فيها عشرة بالمائة، فإنه سيفاجأ بأن سعرها الجديد يزيد عن السعر الذي استجلبها به، بأكثر من نسبة أرباحه تلك..!

ثم.. المواطن المسكين لن يتمكن من شراء ما يكفي احتياجاته من سلع أو مواد غذائية، وستتناقص هذه الاحتياجات، بما يفتح الباب أمام التعرض لأمراض الفقر من «أنيميا» وضعف عام في وظائف الأعضاء، ويصبح أكثر عرضة للإصابة بكثير من الأمراض، بعد أن تقل درجة مقاومته بسبب سوء التغذية، وعدم كفاية الغذاء!

السوق الآن في واقع الأمر لا يتحدث، لكنه ينيب التجار الذين يجأرون بالشكوى من ارتفاع الجمارك والضرائب والرسوم، على السلع المستوردة، غير رسوم التفريغ والتخليص والنقل، وتلك الرسوم تتنزل عليهم من أبراج الحكومة العالية، فهناك جمارك، ورسوم مواصفات ومقاييس، وربما رسوم ولائية أو رسوم عبور.

أما في جانب السلع والمنتجات المحلية بما فيها اللحوم والخضروات والألبان، فإن ارتفاع أسعار غيرها من السلع سينعكس عليها حتماً ليقوم المنتجون والباعة بفرض زيادات تتناسب مع ما يحدث في أي جانب له صلة بالأسواق.

الحكومة قالت على لسان أكثر من مسؤول إنها لن تقوم بإلغاء الجمارك والرسوم، لأن في ذلك خطراً على خزينة الدولة، ومع ذلك تعد بأن تتدخل حتى يعود السوق إلى سابق عهده، لكنها تعلم أنها لن تفعل أكثر من مجرد أن «تتكلم».. والسوق يمد لسانه في وجه الجميع.

ونختم بالدعاء المأثور: «اللهم يا من لا تضّره الذنوب، ولا تُنْقِصه المغفرة، أغفر لنا ما لا يضرك، وهب لنا ما لا ينقصك ـ اللهم أرزقنا ما يزيدنا لك شكراً، وإليك فاقة وفقراً، وبك عمن سواك غنىً، اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت.. وأسألك يا الله يا رحمن يا رحيم أن تجعل أوسع رزقك عليّ عند كبر سني.. وانقطاع عمري».. آمين.

..و.. جمعة مباركة

[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]