النشاط السياسي بالجامعات
ليس بمقدورِ أحد في بسيطة هذا الحوار، أن يجادل حول أن الهدف الرئيس لإنشاء الجامعات هو إعداد الكفاءات العلميِّة في مُختلف مجالات المعرفة والتكنولوجيا والبحث العملي، وتطوير مناخ أكاديمي يضمن حُرِّية الفكر والتعبير والنشر، والاستجابة لمُتطلبات المُجتمع والتطور العلمي.
لكن هذا الهدف لا يمنع – بالتأكيد، وبالضرورة – من تنظيم نشاطات أخرى ثقافية واجتماعية وسياسية على هامشه بحيث لا تطغى وتستكبر عليه، وتطيح به، فتصبح الجامعات لا معنى ولا قيمة لها.
وبهذا التعريف (الأكاديمي المحض) والموجز، ودونما أي إسقاطات سياسية عليه، وبعيداً عن التجاذبات الآيدولوجية والحِزبيّة، تبدو الجامعة السودانية الراهنة، ونتيجة لعوامل وظروف معقدة وشائكة ومتداخلة، تبدو وكأنها وكر سياسي (Political- den) كما (نجرتها) بمعرفتي الشخصية، كيما أشير بطرف إلى أن الأحزاب السياسية (كلها) بما فيها (الحاكم)، وفي ظل فقرها الشديد لبرامج وخطط وخطاب سياسي حصيف يروج لها، فشلت في العمل بين الجماهير فشلاً ذريعاً، بل وعجزت عن استقطاب أعضائها المنضوين تنظيمياً تحت راياتها التي كانت (خفّاقة) إلى دورها، فأصبحت خاوية على (حيشانها) فارغة إلا من بعض ممن يمكن تسميتهم بالمُريدين، وهؤلاء أقرب إلى (الحواريين) منهم إلى السياسيين.
لكل ذلك، تركت الأحزاب الشارع والجماهير والأحياء وهجرت دورها وحزمت أمتعتها إن كان لها متاع ولجأت إلى الجامعات فاتخذتها (أوكاراً) تُخبئ فيها خيباتها الفادحة، ما أفضى إلى هذه التعمية و(الغبش) عن الهدف الرئيس والانصراف عن (المتن) إلى (الهامش).
قطعاً لست مع إيقاف النشاط السياسي بالجامعات، لكنني أجد نفسي ضد سيادته وطغيانه على (المتن)، وهو كما أسلفت (الموضوع الأكاديمي)، فلا يمكن على سبيل المثال أن تنصرف صحيفتنا هذه إلى تنظيم الندوات السياسية والجلسات الغنائية والحلقات الفكرية، وتتقاعس عن الصدور وتتوقف عنه، ثم نجادل على أنها (صحيفة)!!
وعليه، فالمؤسسات (الأكاديمية) التي تجعل السياسة أكبر همها ومبلغ علمها، لا يمكن أن نطلق عليها (جامعات)، ربما سنكون واثقين من أنفسنا إذا أسميناها (أوكاراً حزبية أو سياسية)، وبالتالي لا بد من استعادة الهدف الرئيس للجامعات وهو (أكاديمي) فقط، ثم وعلى هامشه تبذل حرية التعبير بما لا يهدد هذا الهدف، ويطيح باستقراره وبمستقبل الجامعة وطلابها، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الناشطين السياسيين من الطلاب يمثلون فئة قليلة (غلبت فئة كثيرة) من الأكاديميين (والرومانسيين)، ولم تكن لتفعل ذلك لولا دعم ومساندة (الخارج الحزبي).
صراحة، لا بد من إعادة النظر في نظام النشاط السياسي الكلاسيكي (المعمول به) في الجامعات، وتنظيمه وتقنينه، بحيث لا يؤثر سلباً في رسالتها الأساس.
[/JUSTIFY]الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي