واشنطن.. الأخذ بيد الشريكين
قبل عدة أشهر عقدت واشنطن مؤتمراً أسمته (داعمي اتفاق السلام الشامل)، ووجد صدى طيبا واتاح فرصة جيدة لشريكي الحكم في السودان لتوضيح وجهات نظرهما حول سير التنفيذ، أفاد في جوانب أخرى لم تكن مسبوقة قال عنها عضو الوفد بروفيسور بكري عثمان سعيد في حوار سابق له مع (الشرق الأوسط)، إنهم لمسوا أن الإدارة الأمريكية الجديدة تتحدث عن تطبيع العلاقات بين البلدين بنية حسنة، وقال: «لقد وجدناهم يتحدثون بلغة جديدة»، «ونحن نرحب ونرد بأحسن منها»، وأضاف أن التطبيع عملية مستمرة.
وظلت الآمال تتعلق بكثير من التحركات التي تصنف في خانة (الإيجابية) من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، عبر مبعوثها الخاص للسودان، بجانب الكثير من الأحاديث في أضابير الإدارة الأمريكية عن مستقبل السودان الآمن الموحد، وحملت صحف الثلاثاء الماضي نبأ يتعلق بمجهودات أمريكية حيال القضايا العالقة بين الشريكين ومستقبل السودان، إذ أعلن عن توجه وفد مشترك من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في زيارة رسمية تستمر عدة أيام بدعوة من الكونغرس الأمريكي، لستة ممثلين، ثلاثة عن كل طرف، يمثل فيها الوطني يحيى حسين الأمين العام لصندوق دعم الوحدة، ود. سيد الخطيب مدير مركز الدراسات الإستراتيجية ود. محمد مختار، فيما يمثل وفد الشعبية نيال دينق وزير شؤون الجيش الشعبي، دينق ألور وزير الخارجية ود. لوكا منوجا وزير شؤون مجلس الوزراء بحكومة الجنوب، في خطوة أعتبرت ذات دلالات مؤثرة في هذا التوقيت. لكن تضاربا حملته أنباء الأربعاء عن طبيعة تكوين الوفد وأهداف زيارته التي جاءت بدعوة من لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس، إذ ذكرت الأنباء أن الوفد المشترك سيغادر إلى واشنطن بالأربعاء بدلا عن الثلاثاء الماضي، فيما أضيف إلى وفد المؤتمر الوطني د. مصطفي عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهورية، أمين العلاقات الخارجية وسحبت اسم د. مختار، فيما أضاف وفد الحركة اسم ووياي دينق اجاك فيما تجاهلت الأنباء د. لوكا منوجا، وحددت أهداف الزيارة حسب ازيكيل جاتكوث رئيس بعثة حكومة الجنوب في واشنطن، تقديم شهادتهما للكونغرس حول ما تم إنفاذه من اتفاقية السلام. وكان د.أكيج كوج القائم بأعمال سفارة السودان بالولايات المتحدة أوضح في وقت سابق أن الزيارة تلبية لدعوة من لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس التي يترأسها دوناس بن للاستماع إلى وجهة نظر الشريكين حول جملة من الموضوعات كقضايا الاستفتاء، والانتخابات ورؤيتهم حول حاضر ومستقبل السودان في ظل كل تلك القضايا.
ويلفت مراقبون إلى أن الدعوة الأخيرة لزيارة واشنطن تأتي في هذا التوقيت نظرا لاقتراب قضايا البلاد الحساسة -كلها- من نهاية فترتها الزمنية المقررة، مثل الإنتخابات والإستفتاء، ويقول د. آدم محمد أحمد استاذ العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري إنه كلما اقترب السودان من حسم هذه القضايا وغيرها إقترب إما من إنفراج تام أو انهيار تام، وهي دائرة خطر تتطلب تدخل المهتمين، ما دعا لضرورة تدخل واشنطن، ويضيف أن السودان لو وصل إلى مرحلة الإنتخابات دون حل مشاكل القوانين والإحصاء ودارفور وتداعياتها، وغيرها فستكون هنالك مشكلة، ولا أستبعد -والكلام لا يزال لآدم- البحث عن بدائل أخرى كتأجيل الإنتخابات.
وينبه مراقبون إلى أن اختيار الوفد نفسه له دلالات جديدة، إذ ان الوفد في غالبه شارك في مفاوضات نيفاشا التي أوصلت لإتفاق السلام ، ويؤكد د. آدم هنا أن اختيار هذه الأسماء قد يكون له جوانب إيجابية إذ تجنب الشريكان اختيار المتطرفين هذه المرة، فالوفد في غالبه من الذين اكتووا بنار نيفاشا والمفاوضات ويعرفون أبعاد المفاوضات، وبالتالي قد يقود هذا إلى تحقيق نتائج إيجابية، ويعتبر الأمر برمته مؤشرا إيجابيا لمستقبل العلاقات، لكن د. آدم نفسه يضيف أن سياسة امريكا تجاه السودان واضحة، والقضايا التي تعرقل التطبيع واضحة، ولو جلس الشريكان لحل القضايا المعلومة لما احتاجوا للذهاب إلى واشنطن، ولتحسنت العلاقات تلقائيا، ويشير إلى أن القضايا الآن غير معقدة كالماضي، والأمريكان متأكدون من عدم وجود إرهاب في السودان لكنهم يخشون حدوث فوضى وانهيار مستقبلا، ولذلك هم يحاولون تأمين مصالح الفترة المقبلة.
الزيارة تحمل في طياتها كثيراً من الطموح لعلاقات جيدة مع واشنطن والخروج من عنق الزجاجة الذي تقف فيه الخرطوم قسرا، إذ بشر د. أكيج كوج في تصريحات قبل يومين بأن المجهودات الجارية بين البلدين في سياق تحسين العلاقات الثنائية تبشر بتطورات ملموسة يمكن بموجبها تجاوز كثير من العقبات في مسار العلاقات. ومضى الرجل أكثر لتوقع انفراج واسع خلال عام فقط، يمكن من رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حتى وإن لم يتم رفع العقوبات الاقتصادية كليا، واعتبر زيارة الوفد المشترك دليلا على التقدم الذي يعتري العلاقات السودانية الأمريكية الآن، وتؤكد رغبة واشنطون للاستماع إلى الشريكين في وقت واحد، وأنه تقدم يبشر خيراً بالعلاقات بين السودان وأمريكا.
لكن في الجانب الآخر كان مراقبون قد انتقدوا من قبل، إبان ملتقى داعمي نيفاشا، هجرة الشريكين لواشنطن لحل مشاكلهما الداخلية، ورأوا أن الطرق الكثير على سير تنفيذ (نيفاشا) على عتبات الإدارة الأمريكية سيقود إلى خلق (نيفاشا) جديدة مشوهة لا ترضي أيا من اهل السودان، فيما يرى آخرون الا جديد يمكن أن يحدث من هذه السلسلة من الملتقيات ما دام الشريكان محكومين باتفاقية السلام والدستور السوداني، الأمر الذي لا يترك مجالا للتحرك خاصة في مسائل الإنتخابات والإستفتاء وغيرهما، وينضم د. واني تومبي استاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا، القيادي الجنوبي لهذا الرأي ويقول إن لقاءات كثيرة تمت من قبل، ما يعني ان الأمر ليس بذي أهمية أكثر مما تم من قبل، خاصة إذا قورن بالملتقى الذي تم برئاسة د. غازي صلاح الدين، وأضاف أنه قد لا يعدو الأمر النقاش العادي الذي يمكن أن يتم في واشنطن لكن لا ينبغي أن نعطيه أهمية أكبر مما يفترض ان تكون عليه، ويرى تومبي أن الإشكاليات القائمة الآن في اللجان بين الشريكين معظمها سببها الحركة الشعبية، ولدى واشنطن مواقف بارزة ومعروفة، ولديها ممثل كان في السودان قبل فترة قصيرة وطرحت المواضيع ونوقشت ورأي المؤتمر الوطني فيها واضح، ولذلك ليس هناك ما يثير سياسيا في الوقائع الدائرة الآن، ولذلك ليست هناك أهمية كبيرة لهذا اللقاء، ويستبعد د. واني تدخل أمريكا بشأن الإنتخابات في هذا الوقت، ويقول: إننا محكومون بالدستور وهو واضح واتفاقية السلام جزء من الدستور والمراحل واضحة حسب المصدرين، وخلاف ذلك فهو خارج الدستور وأمريكا لا يمكن أن تفعل أي شئ خارج الدستور، وإن لم تكن الحركة الشعبية جاهزة للإنتخابات فهذا شأنها، كما أن المؤتمر الوطني لا يمكنه ان يجبر الأحزاب على المشاركة، وستكون الإنتخابات شرعية إلا إذا تدخل الوطني بأفعال غير قانونية تمنع الأحزاب الأخرى، وخلاف ذلك فمن أراد أن يشارك أو لم يرد فهذا شأنه.
عوض جاد السيد :الراي العام