عبد الجليل سليمان

تفكيك الدولة.. ليس ونسة أو هفوة


[JUSTIFY]
تفكيك الدولة.. ليس ونسة أو هفوة

التفكيكية منهج للنقد الأدبي اجترحه “جاك دريدا) مستهدفاً نقد النظرية (البنيوية) بصورة رئيسة، وتوسل إلى ذلك بإنكار ثبات المعنى قيد النص، واختزال الناص (المنتج)، وتحويل مسار السلطات الدلالية وتحليل الهوامش والفجوات والتوقفات والاستطرادات، بوصفها صياغات تسهم في الكشف عما ورائيات اللغة والتراكيب.

النظرية التي بناها “دريدا” على أعمدة خمسة، تنتهي في الغالب إلى ما يشبه اللا شيء والعبثية على حد وصف (كاموف)، لكن من أكثر العبارات التي أعجبتني في نقد التفكيكية هي تلك التي وصفها بها (لاينج)، حين قال: (إنها هفوة نقدية).

ولقراءة (صيرورة وسيرورة) الدولة السودانية ما بعد الاستقلال، يحتاج المرء إلى استعارات فادحة الكُلفة ينتزعها من مخالب النقد الأدبي حتى يُجلي بعض الغموض، كما يحتاج لاستدراكات واستطرادات واقتباسات كثيرة بحيث لا يجد سعة لها في زاوية محدودة بصحيفة يومية، وهذا ما يجعل الكتابة عن هذا الموضوع أمراً يبدو عبثياً.

فالنخبة السياسية ( يمينا ويساراً وعسكر) التي ظلت تدير هذه البلاد ما بعد الاستعمار، لا زالت قائمة عليها وقابضة على (حلقومها)، هذه القبضة العشوائية هي التي أعادت إلينا ” تفكيكية دريدا” لننظر خلالها إلى دولة (تتفكك) نتيجة لعبث النخب التي لم تقدم إلى اللحظة غير (خطابات)، مبتذلة ومبتسرة، ولاعلاقة لها بأسس إدارة الدولة الحديثة، خطابات طائفية ودينية وأيدولوجية وقبلية، تخاطب الغرائز دون العقول.

هذه النُخب الفاشلة (حكومات ومعارضات)، لم تقدم حتى طرحاً خفيضاً دانياً مثل ما يُعرف بالــ(عقد الاجتماعي)، الذي (لو كان) لحدث قدر من التوازن بين الدولة والمجتمع.

لكن ما حدث، أن (الدولة) والنخبة التي تديرها انفصلتا عن المجتمع، ثم أجبرتاه على النظر إليهما كبقرة مقدسة، يركع ويسجد من أجل التقرب إليهما زلفى حتى يصبح وطنياً غيوراً ومواطناً صالحاً، ولو على حساب حقوقه وحريته وكرامته، ودون أدنى مسؤولية من الدولة، من تعليم، صحة ومرافق عامة…إلخ.

لذلك استدعى مفهوم الدولة السائد وسط النخبة قدرا عاليا من التفكيك وإعادة النظر في طبيعتها ووظائفها. ولن يتم ذلك إلا بنفي ونقد الخطاب الأحادي الذي تجترحه القلة المستفيدة بشكل مباشر، من بقاء الدولة على حالها، دون إصلاح أو تغيير.

وهذا باختصار شديد، خلق حالات من الاحتكاكات والصراعات الدائمة بين (المجتمع) والدولة، أفضت إلى ذهاب الجنوب وإطالة أمد النزاعات المسلحة وانهيار بناء الدولة (اقتصادها)، ما جعل كثيرين يعتقدون بتفككها الوشيك.

ما لم تصل أطراف الصراع (النخبوي) إلى قناعة بضرورة تأسيس دولة حديثة تقوم على المواطنة بموجب عقد اجتماعي، وتتخلى عن خطابها الطائفي- الديني- والقبلي السائد، وتقترب من المجتمع ببرامج تنموية تديرها خدمة مدنية نظيفة اليد، وتحت (القانون)، وأن تلتزم الدولة بواجباتها تجاه المواطن (دافع الضرائب)، فإن (التفكيك) لن يصبح محض (ونسة) أو (هفوة سياسية).

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي