من غير مناسبة
وهل يحتاج الحديث عن الديمقراطية الى مناسبة ،ظني أنه لايحتاج ،فقد اتضح لي بعد متابعة ورصد شبه يومي لكل ما يعتمل في الساحة الوطنية ولا اقول السياسية فقط، من جدل حول مختلف القضايا المثارة في المجالات كافة من خطابي الوثبة وموضوع الحوار والي احراز المريخ لكأس سيكافا، اتضح لي ان أس وأساس مشاكلنا هو غياب أو «تغييب» الديمقراطية وانعدام أو «اعدام» الشفافية، فبعد أي نقاش ساخن أو هاديء حول أية قضية أو مشكلة وبعد تفكيكها الى عناصرها الأولية نجد ان سببها الأساسي هو «الانفراد» بالرأي و«احتكار» القرار واستبعاد «الأطراف» الاخرى من عملية التداول حوله والتشاور فيه والاستماع لوجهات نظر كل المعنيين به والمتأثرين بنتائجه، وقبل ذلك «الدغمسة» وعدم الوضوح الذي يسبق ويرافق هذه العملية غير الديمقراطية غير التشاركية الاستفرادية الاستكرادية، ويمكن ببساطة اجراء هذا القياس على أية قضية صغرت أم كبرت، مهما كانت درجة تعقيدها أو حجم بساطتها، فلن تكون النتيجة النهائية لها سوى انها عرض ومظهر لعلة اساسية مزمنة ومرض متوطن من أمراض المناطق الحارة هو اللا ديمقراطية التي لا ينمو الطفيل المسبب لها الا في اجواء معتمة تعوزها الاضاءة وتنقصها الشفافية.
اذن قضيتنا الاساسية هي الديمقراطية والشفافية اللتين انجب غيابهما الاثنتين كل هؤلاء «المواليد» الشائهين الناقصين المنغوليين مما يتطلب تصويب الجهود لاستئصال العلة وليس الانشغال بلا طائل بـ «المعلول» الذي لن يصح ويتعافى أبداً الا بزوال وعلاج العلة، وبمعنى آخر الطعن المباشر في الفيل وليس ظله، أو كما قال احد علماء السودان الرصينين ذات مرة في كلمة رصينة له حول ذات المعنى، ان الانسياق وراء مناقشات ومجادلات حول أي أمر بمعزل عن الكليات المتمثلة في هاتين القيمتين الكبيرتين «الديمقراطية والشفافية» لن يؤدي الى نتيجة، ومن يتورط في مثل هذا الجدل العقيم لن يظفر من الفيل الا بالذنب وهو اصغر عضو في جسم الفيل الضخم، كناية بليغة عن ترك التلهي بالقشور والنفاذ الى الجوهر وهو في هذه الحالة التحول الديمقراطي.
* صحيح ان مسار العملية الديمقراطية تعترضه كثير من الجنادل و الجلاميد و الصخور الضخمة وصحيح أيضاً ان موكب الديمقراطيين لن يجد طريقه سالكاً بل محفوفا ومحاصرا بشرطة مكافحة الديمقراطية ومنع انتشارها واصحاب المصلحة والمنفعة في غيابها، وصحيح كذلك ان الشفافية يحجبها ظلام كثيف تتحكم فيه الادارة المركزية للاظلام تحجب عنها حتى ضوء الشمس، وهي ادارة نافذة ومنيعة ولكن رغم ذلك يبقى الاصح ان يتوجه مجهود كل المنادين بالاصلاح والاصحاح الى الطرق بقوة وباستمرار بلا كلل أو ملل على هذه القضايا الكلية المركزية دون ان تصرفهم تداعياتها أو تلهيهم ذيولها عنها، فالدمقرطة و«التشفيف» ان جاز الاشتقاق – عمليتان لن تتحققا بين غمضة عين وانتباهتها،و لن تكتسبا بـ «المنح» أو تفقدا بـ «العسف»، بل هي عملية مستمرة تتراكم بالتدافع والدأب على النضال..
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي