عبد اللطيف البوني

جاكسون شمار عالمي


[ALIGN=CENTER]جاكسون شمار عالمي[/ALIGN] للدبلوماسية الامريكية ذراع شعبي يسمى (برنامج الزوار العالميين) وهو برنامج مكلف جداً تدعو امريكا بموجبه أناساً تعتقد ان لهم تأثيراً على الرأي العام في بلادهم لزيارتها وامضاء عدة اسابيع في برنامج مكثف للتعريف بها، مؤسسات وثقافة وأفكار وتدخل في حوار معهم وقد كنت في هذا البرنامج في العام 1994م تقريباً (برضو الكبر دخل).
في واشنطون كان أمام الفندق الذي نزلنا به أحد أولاد الشوارع، طبعا أولاد الشوارع في امريكا يختلفون عن شماستنا بقدر اختلاف دولتنا عن الدولة الامريكية، فولد الشارع ذلك يتلفح ببطانية ويسكن في كنبة في جانب حديقة جميلة يعطيه المارة ماتجود به انسانيتهم ويذهب الى مطعم قريب يتناول اكله و(شرابه) ويقضى حاجته في حمامات الحديقة ويعود لكنبته، وقال لي انه على هذه الحالة منذ عدة سنوات وسيمضي بها بقية عمره وعندما يموت سوف تتولى سلطات البلدية امره.
أما سبب اقترابي منه لانني لحظت انه يردد باستمرار كلمات يمكن ترجمتها بـ(مايكل جاكسون زنجي ابن زنجي ابن زنجية وسيظل زنجياً ولو بيض لونه ولو ازال جعدة شعره وجعله مرسلاً ولو عقف انفه ولو رقق شفتيه فهو زنجي وسيظل زنجياً) طبعا الاشارة هنا للعمليات الجراحية المتكررة التي يجريها مغني البوب الاشهر الذي رحل الاسبوع المنصرم، فصاحبنا ابن الشارع بحكم انه زنجي امريكي كان غاضباً على تصرفات جاكسون التي تنطلق من عقدة نقص، فقلت له انك تتعب نفسك بهذا الامر ومايكل لن يسمعك (ومافي زول جايب ليك خبر)، فقال لي ان هذا لا يهم المهم ان تكون عندي قضية احيا من اجلها، فقضيتي هي رفض تصرفات ذلك الحقير مايكل جاكسون الذي أنا كنت من المدمنين لغنائه مثلما أنا مدمن بيرة اليوم.
أستوقفني في قصة الرجل أعلاه أمران الاول ان في امريكا أي انسان له قضية حتى ولو كان شماسي (وهذه قصة اخرى) الأمر الثاني ان مايكل جاكسون لم يكن مغنياً وموسيقياً وراقصاً عادياً، فقد كان نجماً وظاهرة يتابعها الناس في حركاته وسكناته وليست لديه حياة خاصة وتأثيره كبير جداً بدليل ان تصرفاته دفعت صاحبنا هنا للادمان.
لذلك يكون من الطبيعي ان يشغل خبر وفاته الدنيا كلها ويظل مليئاً بالالغاز مثلما كانت حياته مليئة بالمفارقات والتناقضات وعدم الثبات لا في اللون ولا في الشكل ولا في الاخلاق ولا في الافكار، فقد كان فهو كل شئ ونقيضه كان يمكن ان يخلد نفسه فنياً مثل المغني بوب مارلي أو المغنية ماريام ماكيبا أو المغني هنري بلافونتي أو المغني لوليان ريتشارد (بالمناسبة مايكل غنى مع هذين الاخيرين اغنية (نحن العالم) التي تدعو للتعاطف مع ضحايا مجاعة 1984م)، فموهبته لا تقل عن كل هؤلاء ان لم تتفوق عليهم، ولكن للاسف حياته ونزواته الخاصة المنطلقة من عقده الخاصة غطت على موهبته واصبحت تحرشاته الجنسية بالاطفال في شهرة البوماته الغنائية.
ان حياة مايكل جاكسون المثيرة تعيد طرح السؤال القديم المتجدد وهو الى أي مدي يمكن ان تؤثر حياة الفنان الخاصة في تقبل فنه، بعبارة اخرى هل نتعامل مع مايكل جاكسون كفنان فقط ولانلتفت لحياته الخاصة باعتبارها امراً يخصه؟ المنطق يقول بهذا فأنا كمتلقي يهمني ما يقدمه الفنان وعلاقتي معه في حدود فنه، أما حياته الخاصة فلا دخل لي بها ولكن الواقع يقول بغير ذلك، فأخلاق الفنان وتصرفاته الخاصة تؤثر على صورته العامة على الاقل في معاصريه من المتلقيين. اذن عليكم مراعاة هذا الجانب يافنانات وفناني بلادنا ولا تجعلوا انفسكم (شماراً) للمدينة وكل جمعة والجميع بخير.

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
العدد(22693) بتاريخ 3/7/2009)
aalbony@yahoo.com