ضياء الدين بلال

(ليه يا سلمى؟!) (1-2)

[JUSTIFY]
(ليه يا سلمى؟!) (1-2)

-1-

كنت أعرفها من على البعد. في أيام الجامعة، كانت عضواً بالاتحاد، ومن أبرز كوادر الإسلاميِّين.
بعد التخرج، قرأتُ لها عدداً قليلاً من المواضيع في الصحف، ولم تلفت نظري وقتها.

في عام 2002، جاءتني في العزيزة (الرأي العام)، لإجراء مقابلة حول موضوع اجتماعي. انتبهت لطريقتها في طرح الأسئلة، وتحرير الإجابات.
كانت بارعة في الاثنين معاً.
كانت سلمى التجاني وقتها، تعمل في صحيفة الأزمنة. فاجأتها بعرض مباغت، وقد يكون مستفزاً بعض الشيء لكبريائها المهني:
(سلمى، سأتيح لك فرصة للعمل في (الرأي العام)، ولكن على أن يتم اختبارك ثلاثة أشهر دون مرتب).
رفعت حاجبيها بمزيج من الدهشة والاستياء:
(كيف يا أستاذ، تطلب مني الاستقالة من عملي الذي أتقاضى عليه مرتباً شهرياً، لأعمال دون مقابل لمدة ثلاثة أشهر، بغرض اختبار قد أنجح فيه أو أفشل؟!).
قلت ربما بقسوة بعض الشيء: العمل في (الرأي العام) فرصة تستحقُّ المجازفة، فرصة للانطلاق وإثبات الذات في المجال الصحفي. ودون تقديم التزام، ظنّي الراجح أنك لن تكملي فترة الاختبار، سيتم تعيينك سريعاً. أنتِ صاحبة القرار.
حاولت أن تسارع بالرفض. طلبت منها أن تعطي نفسها فترة للتفكير واتخاذ القرار، وأن تبلغني به مساء اليوم عبر الهاتف.

في مساء ذات اليوم، اتصلت سلمى التجاني لتخبرني بأنها وافقت على قبول التحدي.
-2-
لم تمضِ أيام، حتى ثبت لرئيس التحرير الأستاذ الجليل إدريس حسن، أن سلمى تستحقُّ أن تلتحق بمؤسسة (الرأي العام). تم توقيع عقد معها بما يقارب ضعف مرتبها في (الأزمنة).
منذ ذلك الوقت، شقَّت سلمى طريقها في عالم الصحافة، بخطى مسرعة ولكنها ثابتة وواثقة.
أصبحت بعد أقل من عامين، النجمة الأولى في التحقيقات السياسيَّة، وأول صحفية سودانية تشارك في تغطية الصراعات في دارفور، وأول صحفية تدخل لمعسكرات النازحين متنكِّرة، وانتقلت إلى مناطق نفوذ الحركات.

-3-
ما قامت به سلمى التجاني وقتها، كما حقق لها نجومية في الأوساط الصحفية؛ فتح عليها نيراناً كثيفة، من قبل مناصري الحركات المسلحة في الأسافير.
اُتّهمت بأنها عميلة لجهاز الأمن السوداني. كانت سلمى تتحدث عن كل شيء بجرأة ووضوح من موقعها كصحفية مهنية متجردة، تتميز بشجاعة نادرة، واستقلالية نزيهة، غير قابلة للترغيب أو الترهيب.
في الخرطوم، تعرضت سلمى لتحقيقات مطوَّلة من قبل الأجهزة الأمنية، لمعرفة كيف تسنَّى لها دخول المعسكرات ومناطق الحركات، ثم العودة سالمة إلى عملها في الصحيفة، لتكتب ما لا يسرُّ الحركات المسلحة في دارفور؟.
-4-

في فترة محددة، فاجأتنا سلمى بأنها قررت قبول طلب الزواج من الناطق الرسمي لحركة تحرير السودان، محجوب حسين!.
نقاشات مطولة تمت مع سلمى حول هذا القرار، من زملائها وأصدقائها في الوسط الصحفي.
اكتملت مراسم الزواج، والتحقت سلمى بزوجها محجوب في العاصمة البريطانية لندن.
لم تغيِّر سلمى موقفها من الالتزام المهني، ولم تتوقف عن انتقاد الحركات المسلحَّة، وهي زوجة لمحجوب، وانتقل الإسفيريون من الهجوم على سلمى إلى الهجوم على زوجها.
لم تكن سلمى تكترث بما لحق بها من إساءات. كانت في كل كتابتها، لا تعبر إلا عن ما تقتنع به دون ممالأة لطرف، ولم تقطع صلاتها بزملائها ومصادرها الصحفية في الحكومة والحزب الحاكم.
-5-
قبل أشهر قلائل، جاءت لتقضي إجازتها في الخرطوم وسط أهلها بالجزيرة بقرية أم سنط مع طفلتها مدى.
ولأن سلمى تعودت على صناعة المفاجآت؛ أعلنت قبل أيام، انضمامها لحركة العدل والمساواة، وتبنيها خيار العمل المسلح!.
سأقوم بالتعليق على هذا القرار، ومناقشة سلمى في قناعاتها الجديدة، من حيث الفكرة والتوقيت.. سأفعل ذلك وأنا حزين، على انطواء سجل صحفية استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير.

نواصل..
[/JUSTIFY] [EMAIL]diaabilalr@gmail.com[/EMAIL] العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني