عبد الجليل سليمان

وحدي أحتفل بك يا خارمس


[JUSTIFY]
وحدي أحتفل بك يا خارمس

في قصته الدفتر الأزرق رقم (10)، يكتب الروسي (دانييل خارمس): “مرة كان هنالك رجل أحمر الشعر، ليست لديه عيون ولا آذان، لم تكن له قدرةٌ على الكلام لأنّه لم يكن له فمٌ، ولم يكن له أنفٌ أيضا لم يكن لديه شعر وكان يسمى أحمر الشعر نظرياً فقط الدفتر، لم تكن له ساقٌ ولا ذراع. ولم تكن له معِدةٌ، ولا ظهر، ولا عمود فقري، لم تكن له أيّ أحشاء. لا شيءَ ثمّة. بحيث بات من الصّعب أن نفهم عمّن نتكلّم. لذا، سيكون من الأفضل أن لا نتكلّم عنه بعد الآن”.

وخارمس، الذي قضى متكوم الأنفاس وسط الظلام والبرد والجوع في زنزانته )1942م) حيث سجنه (ستالين) بسبب ما سُمي حينها بكتاباته العبثية. كان قد أسس في العام 1927م مع عدد من الكتّاب التجريبيين مجموعة (أوبريو)، كتب في العام 1932 قصته القصيرة الرائعة (حلم)، التي تحكي عن رجل اسمه (كالوقين) فكتب عنه “رأى في المنام كأنه يجلس وسط دغل، بالقرب منه شرطي يتنزه، هب كالوقين مستيقظاً، حك فمه واعاد للنوم مرة أخرى. ومرة أخرى رأي حلماً كأنه يمشي بقرب دغل وشرطي يجلس مختبئاً وسط الدغل، هب كالوقين من نومه، ووضع صحيفة تحت رأسه، حتى يحمي الوسادة من لعابه، واستسلم للنوم مرة أخرى، ومرة أخرى رأى حلماً، كأنما هو يجلس في دغل وبقرب الدغل شرطي يمشي، استيقظ كالوقين، قلب الصحيفة ونام مرة أخرى فرأى حلماً مرة أخرى، كأنما هو يمشي بالقرب من دغل، وشرطي يختبئ وسط الدغل، وهنا هب كالوقين من نومه، وقرر أن لا ينام مجدداً، ولكنه ما لبث أن استلقى نائماً، ورأي حلماً، كأنما هو يجلس وراء شرطي وبالقرب منهما الدغل يمشي. صرخ كالوقين وتلوى في الفراش، إلا أن سانحة الاستيقاظ كانت قد فاتت فاستغرق في النوم لأربع ليال متتالية واستيقظ في اليوم الخامس هزيلاً إلى درجة أن حذاءه احتاج إلى الشد بحبل حتى لا ينزلق من قدمه”.

بالطبع، لن أكون مسؤولاً إذا ما تطابقت قصص (خارمس) مع واقعنا الماثل (السياسي والثقافي والعرقي)، فالرجل مات منذ العام 1942م، مات مسجوناً وجائعاً، حتى أنه قبيل رحيله بقليل أطلق عبارته الشهيرة من زنزانته وقبره “الفنّ مثل دولاب، وقصائدنا ليست فطائر، ونحن لسنا سمك الرنغة”.

بالطبع كان ينبغي لي، من واقع وظيفتي هذه أن أشرك كثيرين وكثيرات، من المتحركين والمتحركات بهمة ونشاط في مساحات الثقافة، وميادين السياسة، وحقول النقد وعلم الاجتماع، ومفارز أخرى من المجالات الحيوية في هذا الاحتفال المتواضع بالرجل، لكنني خشيت أن أفسد عليهم ويفسدون على، فأمسكت عنهم باعتبار أن (الفيني مكفيني)، وها أنذا أرقص وحدي.

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي