السودان في خطر فهيا إلى قطر
بعد فراقي لشركة أرامكو، وعملي مدرسا في مدرسة تابعة للكنيسة الاسقفية بأم درمان، قابلت زميل دراسة كان يعمل في قطر وسألني عن أحوالي، وما ان علم أنني تركت أرامكو حتى اتهمني بالغباء وأشياء أخرى لأن البلد في حافة «مزلقان» على حد تعبيره، وكانت حكومة جعفر نميري قد بدأت في أواخر السبعينيات تفقد توازنها، بعد توالي محاولات انقلابية انتهت نهايات دموية، وتحول بعدها نميري الى حاكم مطلق هو الكل في الكل، وأحاط نفسه بعدد من المثقفين ذوي الشنة والرنة، وفرض عليهم السمع والطاعة، بدرجة أن رجلا في قامة حسن الترابي الذي تلقى دراساته العليا في جامعتي السوربون واوكسفورد صار يوما ما مستشارا لنميري وخرج من اجتماع معه، وقال للصحفيين: لقد زودني الرئيس بالنصائح والتوجيهات.
كان الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله يحب نميري كثيرا، وأغدق على حكومته المليارات، ولكن سوء إدارة الموارد المالية لم يجعل المواطن يستفيد من تلك المليارات، ورغم أنني عارضت حكم نميري باليد واللسان، ورغم أن حكومته زجّت بي في السجن، فإنه من الانصاف القول ان عهد نميري لم يشهد فسادا واختلاسات ونهبا للمال العام «بالجملة»، ولم تصب الاتهامات بالفساد خلال حكمه إلا واحدا من وزرائه، ولعل معظمكم قرأ الطرفة المتداولة عن فساد الحكام حيث التقى ثلاثة منهم، أحدهم من امريكا اللاتينية والثاني من آسيا والثالث من عندنا، فقال اللاتيني للآخرين عندما زاروه: شايفين الجسر دا؟ قالوا نعم، فقال لهم: نصف تكاليفه في جيبي، وعند زيارة الزميل الآسيوي قادهم إلى طريق بري، وقال لهم: شايفين الهاي واي (الطريق السريع) دا؟ قالوا نعم، قال: كان من المفترض أن يكون طوله الف كيلومتر ولكنني رصفت فقط 250 كيلومترا ووضعت ثلاثة أرباع تكاليفه في جيبي، ولما زار اللاتيني وصاحبه الآسيوي ذاك الذي من جماعتنا، قادهم الى خارج المدينة، وقال لهم: شايفين المطار الدولي دا؟ فقالوا: مو شايفين شي غير أرض فضاء، فابتسم وقال: كل تكاليف المطار في جيبي.
المهم ان صاحبي ذاك عرض عليّ القدوم الى قطر للعمل فيها، وكانت فرص العمل في منطقة الخليج في ذلك الزمان متوافرة لكل صاحب حرفة ومؤهل وصنعة، وخلال السنوات الأخيرة، التي ظللت فيها مقيما في قطر، لا يكاد يمر أسبوع من دون أن يطلب مني سوداني أعرفه أو لا أعرفه أن اساعده في الحصول على عمل في قطر، وكلما شرحت لهم أن الوظائف في قطر وغيرها من دول الخليج ليست معروضة في المولات وأسواق الحراج قالوا لي: ما أنت نططت من السعودية الى قطر ثم الى الامارات ثم عدت الى قطر ثم ذهبت الى بريطانيا ثم عدت الى قطر، وهذه فرصة لمخاطبة كل من يحاول ان يطلب مني مساعدته في الحصول على عمل في قطر أو اي دولة خليجية: يا جماعة نحن أتينا إلى الخليج في الوقت الـ«صَحْ»، ومشاريع التنمية البشرية والاقتصادية بحاجة الى عمالة أجنبية، وعندما أتيت الى الدوحة كانت شيئا وسطا ما بين القرية الكبيرة والمدينة الصغيرة، واليوم صرت أنا الذي عشت فيها أكثر من 30 سنة أضيع وسط عماراتها الشواهق وجسورها وأنفاقها التي تسبب الطشاش والدوخة، ثم ان العيال كبرت في الخليج وصار الجامعيون بالطن المتري وجحا أولى بلحم ثوره فلا «تقرّوا علينا»، وكل واحد يلزم مكانه.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]