عبد الجليل سليمان

حنظل وتطفيف


[JUSTIFY]
حنظل وتطفيف

قال علقمة يصف ظليما :”يظل في الحنظل الخطبان ينقفه وما استطف من التنوم محذوم”.

قال (يا سلام ياخي)، وممنوع الشرح. حاضر ياسيدي، لكن دعنا نذهب من تلقاء (علقمة) إلى الحنظل والخطبان و(ما استطف) من البيت الشعري (المكين) ذاك، إذ قيل إن الحنظل نبتة مُرّة، والخطبان سواد الحناء الشديد، واستطف أي (دنا وتهيأ ونقص).

الغريب في أمر هذا المقطع الشعري، شديد السواد والمرارة. فشاعرة (علقمة) والعلقم هو المُر من كل شيء. والغرض من البيت وصف شخص اسمه (ظليما) من ظلام.

وكل هذا الظلام، وتلك المرارة التي يُعبر عنهما، وجدت أن استعارته لتوصيف أحوالنا، أمراً فيه قدر من الإنصاف والمماثلة الدقيقة، فعلي سبيل المثال، يبدو مستقبل هذه البلاد مُظلماً وسوداوياً، حيثُ لا حل يلوح في الأفق لكافة مشاكلها السياسية والاقتصادية، بل تبدو الأمور ذاهبة إلى الأسوأ دوماً، حتى فيما يتصل بأخلاق المجتمع، حيث تزايدت أعداد المفسدين والمطففين و(الحرامية) في كل المجالات، وهذا ما يجب الاعتراف به، إذ أن إنكار يفاقمه.

دعونا من السياسة والسياسيين، فهؤلاء هم من خربوا البلاد وأرهقوا العباد، وتعالوا إلى المجتمع نفسه، تصوروا أن بعض شركات إنتاج المواد الغذائية تطفف عبواتها بطريقة غبية، فبعض عبوات الألبان لا يبلغ (وزنها) الحقيقي ربع ما هو مشار إليه، أما عبوات (التشيبس/ شرائح البطاطا المقلية)، فإنها تملأ بالهواء وترمى في قاعها سبع أو ثماني (حبات) لا أكثر.

دعك عن كل هذا، وانظر إلى أسطوانات الغاز، إذ أن طفلاً عمره سبع سنوات بمقدوره أن يضع إحداها على رأسه ويلعب كرة القدم. وقس على ذلك كل شيء، تجد الفوضى ضاربة بأطنابها، في الإدارات المحلية، الأسواق، المدارس والجامعات، المواصلات العامة، الشوارع، المطار، العلاقات البينية. وامضي صاعداً إلى أعلى لن تجد إلا حنظلاً وتطفيف.

الغريب في الأمر، أن الحكومة تعرف ما يحدث جيداً، وأحياناً تعترف بالواقع كما هو، لكنها تعود لتنكره وتتبرأ منه عندما تعجز عن معالجته، أو عندما لا تكون لديها الرغبه في ذلك.

بالطبع، الحكومة ليست (هينة)، حتى تنهزم أمام كل هذا الظلام الحالك والفساد المقيم الذي ضرب العصب الحي (سلوك الناس وأخلاقهم)، لكنها تدرك أن الأمر يتطلب منها خطوات ذوات أثمان باهظة، أولها الإطاحة بكوادرها الذين أتت بهم سياسية التمكين إلى الخدمة المدنية فدمورها وأفسدوها فساداً لا نظير له في الأولين، ولن يكون له مثيل في الآخرين، ومثل هذه الخطوة تحتاج نفوساً كبيرة!

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي