عصر النطنطة الخليجية
بعد عودتي إلى السودان من لندن، التحقت بالتلفزيون السوداني، ثم بعدها بأشهر قليلة حصلت على عرض عمل في شركة أرامكو بالظهران بالسعودية، ثم عدت إلى السودان «نهائيا»، ثم حصلت على عرض عمل في قطر وأثناء زيارة قصيرة للإمارات حصلت على فرصة عمل صحفي طيبة في ابوظبي، وإذا قمت بتحريك فيلم الذكريات هذا بسرعة إلى الأمام ستكتشف أنني عدت مجددا إلى قطر، حيث قضيت بها 16 عاما متتالية، ثم ذهبت إلى لندن للعمل في تلفزيون بي بي سي، وكانت تلك أسوأ مرحلة في سنوات اغترابي الطويلة عن وطني، لأن العيال وأمهم سوّدوا عيشتي بالطنطنة والنقنقة والمطالبة يوميا بالعودة إلى قطر، فقد كانت قطر بالنسبة لهم هي الوطن، فأصغرهم ولد فيها والبنتان اللتان في منتصف الملعب العائلي، فتحتا أعينهما على الدنيا في قطر، وأكبر العيال جاء قطر وهو في الصف الثالث الابتدائي وصار له زملاء دراسة وأصدقاء (البنتان مولودتان بين قوسين ذكوريين فأكبر عيالي ولد وأصغرهم ولد. فنحن عائلة محافظة ولابد من حصار البنات بولد في خط الهجوم وولد في خط الدفاع!!).
وبعد أن صارت الهجرة إلى الخليج حلم كل شاب وشائب سوداني، ما حكيت لسوداني مرابط في الوطن كيف ظللت اتنقل بين دول الخليج، وصولا إلى البحرين (بالانتساب) بحكم الكتابة في جريدة أخبار الخليج على مدى أكثر من سبع سنوات متصلة، إلا وقال لي «أنت مرزّق» وهذه كلمة سودانية يوصف بها الشخص حسن الحظ، ويعتبرونني حاسدا وحاقدا كلما طلبوا مني مساعدتهم في الحصول على عمل في قطر، فأقول لهم إن الحال تغير، ولم تعد فرص العمل متاحة «بالهبل» كما كان الحال قبل 30 سنة، فيقول لي الواحد منهم: يا أخي قطر تفور وتغلي بالمشاريع استعدادا لكأس العالم لكرة القدم عام 2022، فأقول له: مفيش مشكلة لو عندك خبرة في عجن الأسفلت والخرسانة ومد الأسياخ على دوامين أو تشغيل الحفارات والكرينات، فتكون المقاطعة: يعني معقول المشاريع دي مش عايزة محاسبين أو مترجمين أو قانونيين أو حتى سكيورتي (أمن)؟ وفي الفترة الأخيرة صرت أقول لكل زول يريد مني مساعدته على الحصول على عمل في قطر، أن الجهات التي قد يجد فيها فرصة عمل هي كذا وكذا وأن عليه أن يدخل مواقعها الالكترونية ولو وجد وظيفة مناسبة معروضة فيها يطلب يد تلك الوظيفة، و«أنت وحظك»، لأن نظام الحكومة الالكترونية لا يسمح بتقديم الطلبات باليد، ومعظم من يسمعون مني هذا الكلام يقولون ما معناه: اسم الله عليك شغال في سويسرا.. قال حكومة الكترونية قال. ووجدت نفسي خلال زياراتي للسودان مضطرا لفتح مواقع الوزارات والشركات القطرية الكبرى على الكمبيوتر والنت في حضور من يعتبرونني متهربا من مساعدتهم، ليروا ماذا أعني بالحكومة الالكترونية، وأذكر أنني وقبل نحو عام كنت أشرح لشخص لحوح كان مقتنعا بأنني أتهرب من مساعدته في الحصول على وظيفة في قطر، كيفية عمل الحكومة الالكترونية في قطر، وبعد جولة في عدد من المواقع التي وجدت في بعضها إعلانات عن وظائف شاغرة، ولسوء حظ الزول لم تكن اي من الوظائف المعروضة تناسب مؤهلاته وخبراته، دخلت لمزيد من الشرح والإيضاح لنظام الحكومة الالكترونية، موقع وزارة الداخلية القطرية، وعرّجت على صفحة إدارة شرطة المرور، وسجلت في خانة الاستعلامات رقم سيارتي، فإذا بي أطالع أن علي غرامة 300 ريال لإيقاف السيارة في مكان يحظر فيه الوقوف، وما أن رأى صاحبنا ذلك حتى صاح: تستأهل، وإن شاء الله المرة الجاية تدخل موقع حكومتهم الالكترونية تلقى فيه أمر باعتقالك!
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]