عبد الجليل سليمان

الأصول.. حين تحرر من العوارض 2-2


[JUSTIFY]
الأصول.. حين تحرر من العوارض 2-2

أسماء بشر ومدن وقرى، وإيقاعات ورقصات، نُحرفها كي نقترب من (الفصحى)، ولكننا نجد أنفسنا، وكلما غرقنا في التزييف أكثر، فقدنا احترامنا لذواتنا وفقدنا احترام الغير لنا، ثم نظل نهرج فيهم ويضحكون علينا. يُمكننا هنا إيراد آلاف الأمثلة، لكن ما دلقناه منها (أمس) كافٍ للإيعاز بما نهدف إليه، وهذه مُهمتنا (فقط).

منذ رحيل المستعمر، وإلى الآن، دأبت النُخب السياسية والمثقفون من خلفهم بتجريف كل شيء على نحو مريع، تجريف الوعي وتجريف مقدرات الدولة وتجريف الثقافة، حتى وجدنا أنفسنا في صعيدٍ زلقٍ.

لا أعرف ما الذي يجعلنا عاجزين من أن نكون كما نحن؟ ما الذي يجعلنا نشعر بالضعف إزاء الاعتراف بهوياتنا؟ ما الذي يجعلنا حساسين حد الإفراط تجاه أمور تعدها شعوب الأرض طُرَّاً، أموراً عادية وواقعية، مثل تداخل عاداتنا وثقافتنا مع الآخرين في الجوار، وتأثيرهم علينا وتأثيرنا عليهم؟ ما الذي يجعلنا منخرطين بدأب شديد، وبما يشبه البلاهة أحياناً، في نفي أو تأكيد أمور تجاوزتها البشرية منذ سنوات طويلة؟!

كلنا يعرف الإجابة الصحيحة، لكن كلنا (نزوغ) منها، لذلك لن نكون بشراً طبيعيين، ما لم نعترف بالوقائع كما هي، ونتعامل معها كما هي، دونما تجريف يتبعه تزييف، كما حدث لعقود متتالية وبشكل كثيف في هذه البلاد.

وسنغور في السياق الثقافي من السينغال، لكنه كان صوت أفريقيا كلها، كان متصالحاً مع ذاته مفتون بزنوجته حتى التباهي والخيلاء، لكنه أيضاً كان محتفياً بالآخرين المختلفين عنه، والمتأمل لبعض قصائده من ديوانه الشهير (إثيوبيات) يقول: “لست أدري في أيّ زمن حدث ذلك/ فأنا أخلط بين الطفولة وعدن/ مثلما أمزج الموت بالحياة/ جسر مودّة يربط بينهما”، وعدن هذه فيها ما فيها من إحالات، وعنوان الديوان نفسه فيه ما فيه من إحالات.

ما حدث ويحدث من النخب السياسية والثقافية في هذه البلاد من تجريف للوعي والمقدرات وتزييف للحقائق والتاريخ، جعلنا منفصمين شديدي الحساسية وغير متوازنين، هذا من جانب، ومن جانب آخر أغرق هذا التجريف المهول للأصول السياسية والثقافية لصالح بعض العوارض، أغرق البلاد في حروب عبثية، جهوية ومطلبية و(قبلية) الآن.

وما لم نتواضع، ونحترم ذواتنا إزاء الآخر، وما لم نوقف هذا التجريف الفظيع والمخجل، فإن كل شيء سيمضي نحو مزيد من الاحتراب العبثي والتخلف والتفكك.

نقول ذلك لأن مهمتنا في الصحافة تقتضي علينا أن نقوله، ولذلك علينا أيضاً أن نحذر – في السياق ذاته – الجماهير والقراء مما ينتجه المثقفون والسياسيون من نظريات وأفكار، وأن يتعاملوا معها بحرص وحذر شديدين لأنها ملأى بالألغام والموت.

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي